التنمية بين الواقع والمثالية
التنمية بين الواقع والمثالية
لا شك أن الانتقال من نادي الدول الفقيرة المتخلِّفة إلى الركب النخبوي للدول الغنية المتقدمة هو الهدف الذي تسعى خلفه جميع دول العالم الثالث، فالكل يريد اقتصادًا ديناميكيًّا يتمتَّع بالكفاءة والتنافسية وتحسين مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل كثيفة للقضاء على البطالة والفقر، وفي سبيل هذا الحلم المنشود تتسابق تلك الدول فيما بينها إلى الاسترشاد بتجارب الدول المتقدمة التي سبقتها في هذا المضمار.
المشكلة أن هناك وجهًا آخر لتحقيق هذه الأهداف، لا سيما مع تزايد حجم تلك المليارات الهائلة التي تتدفَّق سنويًّا من الدول النامية إلى الدول الغنية مقارنةً بالمساعدات التي تمنحها الأخيرة، فما السبب وراء تلك الظاهرة التي تلقي بظلال الشك حول بعض القوى التدميرية التي ترافق مثل تلك التجارب التنموية في البلاد؟! ففيما مضى كانت الدول المتقدمة تحقِّق ثراءً هائلًا باستنزاف الثروات واستعباد الشعوب في أثناء استعمارها للدول الفقيرة، أما اليوم فبات الأمر أكثر خداعًا، ولذلك فإن مزاعم الدول الغنية بشأن مساعداتها للدول النامية تبدو ساذجةً بعض الشيء إذا ما أخذنا في الاعتبار التدفُّقات العكسية المقابلة، فليس لها فضل في تنمية الدول الفقيرة، بل العكس هو الصحيح!
وإذا نحَّينا أمور السياسة جانبًا، نجد أن الواقع الاقتصادي للعالم غير عادل بسبب عدم التوازن الفيزيقي في توزيع الموارد الطبيعية بين مناطق العالم المختلفة، والذي يأخذ أشكال شح المياه والاحتياجات الغذائية وموارد الطاقة، بالإضافة أيضًا إلى اختلال الميزان الديمغرافي نتيجة التزايد المطرد لنمو السكان في بعض المناطق وندرته في البعض الآخر، وإذا نظرنا إلى المشكلات الناجمة عن تغير المناخ، نجد أن هذا الخلل الكوكبي الذي تسبَّب فيه البشر أدى إلى بروز مشكلة الحفاظ على المدنية التي يحياها العالم اليوم، فلُبُّ المشكلة يكمن في تلك الأيديولوجية التي تتصرَّف بنوع من عدم المسؤولية، وكأن الأرض تستطيع أن تمدنا بموارد لا نهائية، وأن تستوعب قدرًا لا محدودًا من التلوث.
الفكرة من كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
“التنمية لا تتعدَّى كونها أسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها”.
من الناحية النظرية، تكمن الوظيفة الأساسية للتنمية الاقتصادية في مساعدة البلدان المأزومة على تلافي ما تعانيه من مشكلات، ولكن أظهرت تجارب الدول، باستثناء بعض النماذج القليلة الناجحة، أنها تشبه في واقعها غزوات جيوش متحاربة، فباسم التنمية تُنتهك سيادة الدول، وتُجبر على تنفيذ إجراءات ترفضها الأغلبية العظمى من المواطنين، وتخلِّف وراءها مساحة عريضة من خراب اقتصادي واجتماعي، لكن كيف كان هذا؟ وبأي وجه تصبح التنمية سببًا في تعريض بني البشر لمصائب لا توصف في زمننا هذا؟ ولمصلحة من يا ترى؟ إن الحصول على الجواب الشافي عن كل هذه الأسئلة هو الهدف الذي يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه.
مؤلف كتاب أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية
أزوالدو دو ريفرو Oswaldo de Rivero: دبلوماسي متقاعد، وُلد في 2 أغسطس 1936 في بيرو، درس القانون في جامعة كاتوليكا وحصل لاحقًا على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من أكاديميا ديبلوماتيكا في بيرو، كما أجرى دراسات عليا في المعهد العالي للدراسات الدولية، شغل منصب الممثل الدائم للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، وسفير بيرو لدى منظمة التجارة العالمية، كما شغل سابقًا في حياته المهنية عدة مناصب في لندن وموسكو وجنيف.
قام بتأليف كتب عن التنمية الدولية تُرجمت إلى عدة لغات منها: “النظام الاقتصادي الجديد وقانون التنمية الدولية”، “أسطورة التنمية: الاقتصادات غير القابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين”، “أسطورة التنمية”.