التقليد في أمور الشريعة الإسلامية وما أدى إليه
التقليد في أمور الشريعة الإسلامية وما أدى إليه
في ظل هذا التعقيد الذي وصل إليه علم الشريعة وما تحتويه من أحكام وآراء متعددة أصبح الحديث عنه مجالًا مقصورًا على فئة محدودة نسبيًّا من العلماء، أما عامة الناس الذين لا يمتلكون المعرفة الكافية بدقائق الفقه الذي تطوَّر عبر القرون، فلم يعد أمامهم سوى الاتباع دون تفكير لآراء العلماء السابقين الذين يملكون العلم المتخصص المطلوب كلما واجهتهم مسألة شرعية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التحقق من صلاحيتها وصحتها بمفردهم، إذا كانوا يستطيعون ذلك.
مرت قرون اتبع فيها المسلمون منهج التقليد، الذي كان يعني اتباع المرجعية والسلطة، وهذا يناقض فرض التفكير والتأمل على المسلم الذي جاء في القرآن، وما أدى إلى الاستسلام للتقليد هو أن الشريعة أصبحت جبل أحكام فوق طاقة فهم واستيعاب أي شخص عادي، لكن الأمر الوحيد الواجب الاتباع دون التفكير هو أمر الله ورسوله بموجب القرآن الكريم، وفيما عدا ذلك كلٌّ يؤخذ منه ويُرَد، وأيضًا من الأمور التي ساعدت على انتشار منهج التقليد، أن التقليد أسهل من الاجتهاد واختيار الطريق السهل طبيعة بشرية، حتى الاجتهاد الجديد لم يلقَ نجاحًا كبيرًا بل محدودًا، وأصبح الجميع مجبرين على اتباع شخص ما ولا يقدرون على التثبُّت من صحة أقواله، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك حيث أصبح تقديسًا لأصحاب السلطة الدينية، وبسبب سجن التقليد أدى هذا إلى تدهور الفكر الإسلامي، ومن ثم تدهور الحياة الاجتماعية الإسلامية من القرن الرابع الهجري إلى حد الركود التام.
وتحت تأثير مبدأ التقليد الذي يرتدي عباءة تعظيم السلطة تم تقييد أفق الأفكار الإسلامية قهرًا بالقرون الثلاثة أو الأربعة الأولى للإسلام، وكان هذا التدهور كفيلًا أن يقلِّص أهمية الدين بوصفه عنصر تشكيل للحياة الاجتماعية في أي حضارة أخرى، لكن الحضارة الإسلامية التي بُنيت على اعتبارات وأفكار دينية قبل أي شيء، كان من شأن انحسار الفقر الديني بها أن يقضي على الحياة الروحية ذاتها.
الفكرة من كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
نتعرَّض يوميًّا للعديد من المسائل الفقهية في حياتنا اليومية، ونذهب لنتعرَّف على أمر الشرع في هذه المسائل فنجد آراء متعددة من فقهاء كثر على مذاهب فقهية متعددة، وكل فقيه لديه من الأدلة المقنعة ما يرجح به كفته، فلا نعرف أي الآراء الأصح والواجب الاتباع، وهل لو اتبعنا رأيًا أقل رجاحة من بقية الآراء نكون آثمين مخالفين للشرع؟
في هذا الكتاب يستعرض الكاتب الفرق بين أوامر الشريعة الثابتة واجتهادات الفقهاء الخاصة بأحداث معينة في أزمان معينة وظروف محيطة معينة ويوضح الفرق بينهما في التعامل، ويتحدَّث عن التقليد وما نتج عنه على مرِّ القرون المنقضية، والحل لمشكلة تدهور المجتمع المسلم.
مؤلف كتاب هذه شريعتنا.. ومقالات أخرى
محمد أسد Muhammad Asad: كاتب ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومترجم ورحالة مسلم، ولد في الإمبراطورية النمساوية الهنجارية عام 1900، وتوفي في إسبانيا عام 1992، درس الفلسفة في جامعة فيينا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وطاف العالم، ثم استقر في إسبانيا وتُوفِّيَ فيها ودفن في غرناطة، ويعد محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرًا.
من كتبه ومؤلفاته:
– روح الإسلام.
– في رسالة للقرآن.
– الطريق إلى مكة المكرمة.
– الإسلام على مفترق الطرق.
– مبادئ الدولة والحكومة في الإسلام.