التراكم على المستوى العالمي والريع الإمبريالي
التراكم على المستوى العالمي والريع الإمبريالي
من الأمور التي انطبعت على الكثير من كتابات الاقتصاديين الرأسماليين والاشتراكيين على السواء مبدأ الإقليمية التي ظهرت على كتاباتهم وتحليلاتهم الاقتصادية، فقبل الكساد العظيم كانت كل الدراسات تقريبًا تتناول فروع الاقتصاد الجزئي الذي يهتمُّ بالدرجة الأولى بسلوك الوحدات الاقتصادية الفردية، إلى أن فتق الاقتصادي البريطاني اللورد كينز مجال الدراسات الاقتصادية الكلية.
ورغم أن الأبحاث في ذلك الوقت تركَّزت بصورة كبيرة على الوضع المحلي، فإنها بدأت في دراسة تأثير الوضع العالمي في الاقتصاد المحلي، وبخاصةٍ مع بروز ظاهرة التوسُّع الإمبريالي في تلك الفترة وأصبحت اقتصادات الدول الكبرى تعتمد على نحو كبير على مستعمراتها في تحصيل مواردها، وكذلك لتصريف منتجاتها، من هنا نشطت التجارة البينية بين الدول وبدأت قضايا الاقتصاد العالمي بالبروز على الساحة، لا سيَّما مع تكوين كيانات اقتصادية عملاقة تمثَّلت في الشركات متعدِّدة الجنسية، والتي تعد امتدادًا بصورة أو بأخرى للحقبة الإمبريالية العسكرية، ولكن في شكلها الاقتصادي.
ومع انتشار الرأسمالية بصورة كبيرة في معظم دول العالم تقريبًا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات بدأت تأخذ أشكالًا متمايزة بين الدول المختلفة، مما حدا بالبعض للاعتقاد بأن رأسمالية الولايات المتحدة الأمريكية ليست كرأسمالية الهند مثلًا، وهذا غير صحيح، فالرأسمالية واحدة بين الدول المختلفة، وإن أخذت أشكالًا عدة لأنها تعتمد بصورة كبيرة على التغلغل في العقل الجمعي للشعوب ونمط الإنتاج والتطوُّر المجتمعي، وعليه فقيمة ساعة العمل واحدة بين كل تلك الرأسماليات وإن اختلفت أجورها، إلا أن هناك حقيقة أساسية مفادها ترسُّخ ظاهرة التراكم غير المتكافئ بين الدول المختلفة نتيجة التوسُّع الرأسمالي، مما نتج عنه أنماط مختلفة من الاستغلال السيئ للموارد الطبيعية وتجريف البعض الآخر، كما أدَّت تلك الممارسات إلى استلاب الشركات الرأسمالية الكبرى لمقدَّرات الدول وثرواتها عبر الاستئثار بالجزء الأكبر من كعكة العوائد وترك الفتات لتلك الدول.
الفكرة من كتاب قانون القيمة المعولَمة
يمكن القول إنه ليس هناك نظام واحد يمكن أن تنتهجه جميع الدول لصنع نهضتها، ففي الوقت الذي كانت الصين تنتهج النهج الاشتراكي لتبنِّي جذور نهضتها التي نلمسها اليوم بوصفها قوة اقتصادية عملاقة تحرِّك الكثير من عرائس الشمع السياسية في العالم نجد أنه على الجانب الآخر من العالم كانت الرأسمالية تبني أقوى قوة في العالم اليوم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يعد هذا الكتاب من الدراسات المقارنة في الأدبيات الاقتصادية التنموية المعاصرة ربما نتمكَّن من خلاله انتقاء ملامح التنمية التي تتوافق مع معادلتنا الاجتماعية الخاصة.
مؤلف كتاب قانون القيمة المعولَمة
سمير أمين Samir Amin: مفكِّر واقتصادي مصري، وُلِد في 3 سبتمبر 1931، في محافظة بور سعيد، سافر إلى باريس حيث حصل على دبلوم في العلوم السياسية قبل أن يأخذ شهادة التخرُّج في الإحصاء والاقتصاد، ويعود إلى مصر حاملًا شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من السوربون، وعمل مستشارًا اقتصاديًّا في مالي وجمهورية الكونغو ومدغشقر وغيرها من الدول الأفريقية، كما عمل مديرًا لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى IDEP بداكار لعشر سنوات طوال السبعينيات، حيث تصدَّى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك في أثناء عمله هذا في تأسيس منظَّمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث، تُوفِّي في 12 أغسطس 2018.
من مؤلفاته: “دراسة في التيارات النقدية والمالية في مصر عام 1957″، و”البحر المتوسط في العالم المعاصر 1988″، و”من نقد الدولة السوفييتية إلى نقد الدولة الوطنية 1993″، و”في نقد الخطاب العربي الراهن 2009”.