البشر ذئاب أم خراف؟
البشر ذئاب أم خراف؟
ينطلق فروم من العلاقة الثنائية بين المستبد والشعب المقهور ويصوغ منها سؤاله عن طبيعة النزعة الإنسانية، فخضوع الشعب مثل الخراف لحاكم مستبد مثل الذئب يأمرهم فيطيعون، من الممكن أن يكون إشباعًا لنزعة أصيلة داخل الإنسان للخضوع وترك نفسه تنقاد للقوة والعنف، بينما من منظور العهد القديم تكون هذه العلاقة صورة عن الصراع الإنساني الداخلي الدائم بين الخير والشر، فالله خلق الإنسان ووفر له كلا الخيارين وظروفه، وترك له الإرادة وحرية الاختيار ليسلك أيًّا من السبيلين، فلا توجد صبغة نهائية حتمية من الأمور الخيرية أو الظلامية.
ولكن مارتن لوثر ومفكرو عصر الأنوار ذهبوا إلى حتمية البيئة على تصرفات الإنسان، أي إن أفعال الإنسان كلها ما هي إلا استجابات لظروف بيئته سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو غيرها، مع هيمنتها الكاملة وعدم توافر المقدرة للإنسان على التجاوز والخروج من نطاقها.
ويتم الاستشهاد دائمًا بتأصُّل النزعة التدميرية داخل الإنسان بالإشارة إلى تاريخه الكبير في الحروب، ولكن هذا الزعم له تناقضان؛ أولهما أنه بالنظر إلى التاريخ فإن الحروب لا تقوم كنتيجة لقوى نفسية ما تسيطر على العقول، بل تقودها مصالح متعددة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، ويخوضها العديد من الزعماء المجانين الذين يستغلون فقط وجود جانب في النفس متعدِّدة الجوانب لدفعهم إلى التضحية في سبيل أطماعهم المزعومة، والتناقض الثاني أن النزعة وإن كانت أصيلة فلا يعني ذلك هيمنتها وعجز البشر عن كبح جماحها.
عبر تحليل التوجه البشري للعنف والتدمير تنكشف لنا ثلاثة اتجاهات بمتضاداتها تتحد لتنتج متلازمة الانحلال، أي التدمير من أجل التدمير؛ الاتجاه الأول هو حب الموت والشعور بالإثارة في الفناء وسلب الحياة ضد حب الحياة والإنماء والزيادة، والاتجاه الثاني هو النرجسية الحتمية وضدها الإنسانية، والاتجاه الثالث هو التثبيت السفاحي التعايشي ضد الاستقلالية، وسيأتي ذكرها بالتفصيل لاحقًا.
الفكرة من كتاب جوهر الإنسان
ما جوهر الإنسان؟ لطالما أرَّق هذا السؤال كل من له إنتاج معرفي، وانشغلت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية على اختلافاتها، محاولة تقديم إجابات تفسِّر عددًا كبيرًا من أفعاله وسلوكياته: هل هو جزء من الطبيعة الحتمية، أم مخلوق متجاوز لها يصارع بين الخير والشر؟ وماذا عن رغبته الشديدة في ممارسة العنف والتدمير، هل هي متأصلة جذريًّا أم أنها رد فعل على وضع ما؟ وهل هناك عوامل تغذِّيه، وإن وجدت فكيف نتحكَّم فيها لنغيِّر ذلك الوضع؟
بمثل هذه التساؤلات وغيرها ومحاولة “إريك فروم” الإجابة عنها، نرى تحليله لبعض الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
مؤلف كتاب جوهر الإنسان
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية وعانى كثيرًا في تنشئته، ونال الدكتوراه عام 1922م في علم الاجتماع، كما عمل في مصحة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
وتميَّز بأعماله التي تناقش الطبيعة الإنسانية في المجتمعات الصناعية الحديثة، ومنها: “المجتمع العاقل”، و”الهروب من الحرية”.
معلومات عن المترجم:
سلام خير بك: مترجم، وله العديد من الكتب المترجمة، من بينها: “حكمة التاو.. أصغ لجسدك”، لمؤلفيه: بيسونغ غاو، وأندرو بويل، و”عقل بلا حدود، تأليف: كريشنا مورتي، و”روح زن”، لآلان واتس، وغيرها.