إن كيد الشيطان كان ضعيفًا
إن كيد الشيطان كان ضعيفًا
إن استمرار العدو في خططه بعد المرة الأولى والثانية والثالثة، مع محاولة تجديدها وتجديد وسائلها، هدفها واحد، وهو إما أن يفصل المكافح فصلًا عمليًّا عن القضية التي دخل من أجلها في المعركة، وإما أن يفصله عنها معنويًّا عندما يصوِّر له عبث تلك الذرة التي تريد أن تحطم الجبل، وهذا ما يريد وما يقدر الاستعمار، والاستبداد هو ابن الاستعمار، ولكن الأمر ليس بيده ولا بيد أحد؛ إنه بيد من يقدِّر الأشياء فتسير الذرة ويسير الجبل حسب تقديره.
إننا نتفق على أن الاستعمار هو الشر بلا شك، وهو صورته المجسَّمة على الأرض، والواجب علينا أن نفكِّر في حلول مشكلاتنا بشكل علمي عملي، وألا نقع في أسئلة وجودية لا طائل منها، ولا تقود إلى حل مثل: لماذا الشر موجود؟ ولماذا الاستعمار يمثله ؟ لأن هذه الأسئلة إما ستؤدي إلى عبادة الشيطان والخنوع له بدافع العجز، أو حالة ثورة وحقد وغضب، يسهل فيها التحكم بنا وإقحامنا في معارك وهمية لا فائدة منها فنظل نصارع أشباحًا.
ولنعلم أن وسائل الاستعمار تتنوَّع وتتجدَّد حسب الظروف والمناسبات فهو لا يحافظ إلا على المبادئ الأساسية التي يطبِّقها، وأنها تنجح وستنجح دون إدراك لحقيقتها في كل وسط إنساني لم يتم نضجه الفكري أو لم تتخذ في توجيه ثقافته الاحتياطات اللازمة ضد الانحراف الذهني كالتعامل الجزئي والميل إلى السهولة والانقياد العاطفي والرغبات الشهوانية.
إن الأفكار كائنات حية تؤدي دورها في شروط عضوية معينة ولا تقوم بأي دور بدونها، بل تفقد الحياة بفقدها فتصبح جثة هامدة لا صوت لها ولا قيمة لها، ولها شروط تتكفَّل بحصانتها، كالقيمة الأخلاقية التي تشترط النظافة، والقيمة الفكرية التي تشترط القوة، فتسقط الفكرة إما لضعف أخلاقي يحيط بها وإما لضعف فكري يخذلها، والأخير هو العامل الأكبر.
إن المشكلة ليست في الدفاع عن الإسلام الذي يجد في جوهره حصانته من عطاء الله إليه، ولكن في تعليم المسلمين كيفية الدفاع عن أنفسهم بما في الإسلام من وسائل دفاع.
الفكرة من كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
تبدأ القصَّة حين دخل الاستعمار البلاد الإسلامية، نشأ الصراع في كل الميادين وبدأت فصول المقاومة ومنها الصراع الفكري الذي يجهل الشعب حقيقته ولعلَّه لا يعلم بوجوده أصلًا، ولكنه يعيش نتائجه السلبية، يجهل قيمة الفكرة في مصير المجتمعات ويجهل دقة الخطط التي ترسم للتحكُّم في مصير الشعوب المتخلِّفة عن طريق أفكارها.
يضيء لنا مالك بن نبي هذا الموضوع من الداخل في ظل تجربته الشخصية لنتعرَّف إلى حقيقة هذا النوع من الصراع وكيف تتم إدارته، حتى لا يمكننا مهما بلغنا من تجريد أن نفصل مغامرة (فكرة) عن مغامرة (صاحبها)، وكل ما يتمناه أن تقوم في بلادنا رابطة من المثقفين، لكشف هجمات الاستعمار على الجبهة الفكرية، حتى لا تبقى الأفكار معرضة لتلك الهجمات دون نجدة أو مدد، وحتى يفيق المجتمع من سباته.
مؤلف كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
مالك بن نبي Malek Bennabi مفكِّر وفيلسوف ومهندس جزائري، ولد في ١ يناير ١٩٠٥م، وتوفِّي في ٣١ أكتوبر ١٩٧٣م، ويُعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لمدرسة ابن خلدون، ويُعدُّ من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبَّهوا لضرورة العناية بمشكلات الحضارة، وترك أثرًا كبيرًا فيها.
من أهم كتبه: “مشكلات الحضارة وشروط النهضة”، و”مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي”، و”ميلاد مجتمع”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، وغيرها الكثير.