أن تتوافق مع العالم
أن تتوافق مع العالم
ثاني طرق الوصول إلى فرح شبه دائم هو الطريق المتعلِّق بالآخر، فهو الطريق الذي نستطيع من خلاله إعادة خلق الروابط الصحيحة والحقيقية، ومن هذه الروابط روابط الصداقة أو الحب، وتتميَّز الصداقة بالحب العميق والتشارك مع الآخر، ويقوم هذا النوع من الحب على التبادلية، فلا يعني أن تحب شخصًا لا يحبك وإنما تحب من يشاركك ويشجِّعك ويبادلك المشاعر نفسها، بل من تتقاسم معه المعاناة، وبعض هذا العلاقات لا تكون صحيحة لأن أحد الطرفين قد يحبُّ الآخر حبًّا غير مشروط، أما الآخر فلا يبادله الأمر نفسه وإنما يحبه بشرط أن يحقِّق ذلك الحب توقُّعاته، وهذه العلاقات بهذا الشكل تمنع تَكَوُّن الفرح لأننا لا نكون موضعًا للحب لذاتنا.
إن الصداقة الحقيقية هي أن تُحِب وتحَب من غير انتظار منفعة ولا عائد، وهذا لا يعني أن الصداقة الفعلية منزَّهة عن الأغراض، إلا أنها وإن حصل فيها غرض فإننا نظلُّ أصدقاء وإن لم يتحقَّق هذا الغرض.
من أنواع الحب والتعلُّق بالآخر العشقُ، والذي يعد سببًا لإحباطات كثير من الناس، فهو حب سلبي يولد أفراحًا غير فعالة لأنه يتأسَّس غالبًا على وهم أو إسقاطات، فنحن ننتظر من الآخر أن يشبع رغباتنا ويتصدَّى لمخاوفنا وما يعوزنا لأننا نتصوَّر شخصًا ما بصورة مثالية ثم إذا اصطدمنا بأرض الواقع تبدَّدت الأوهام ورأينا الأمور على حقيقتها، بل إن العشق قد يتحوَّل إلى كراهية لأن الحب إذا لم يتأسَّس على فرح فعال، بل فرح سلبي، فإنه سيتحوَّل إلى حزن ثم إلى كراهية.
إن الحب الحقيقي هو الذي يستمر في العلاقات حتى لو وجدت الأوهام والأهواء في بداياته، ويعرف من خلال الفرح الذي نشعر به عند حضور الشخص الآخر، وبالسعادة التي توجد عند ذلك الحضور، والحب الحقيقي يناقض الحب النرجسي، فالنرجسي يحب انعكاس صورته في الآخر، ويسعى إلى جعله تابعًا له على نحو مطلق.
الفكرة من كتاب قوة الفرح
ينشد الإنسان في حياته الفرح ويطلبه، لأن الفرح يحمل في ذاته قوَّةً تحرِّك الإنسان نحو ما يحبه، فهو تأكيد للحياة، وهو الوسيلة التي نتيقَّن من خلالها من حقيقة وجودنا ونتذوَّق عبرها هذا الوجود.
يناقش فريدريك لونوار مسألة الفرح من منظور فلسفي، والفرق بينه وبين اللذة والسعادة، وهل يمكن للإنسان الوصول إلى فرح دائم؟
مؤلف كتاب قوة الفرح
فريدريك لونوار Frédéric Lenoir: كاتب فرنسي، ولد في مدغشقر عام 1962.
من كتبه ومؤلفاته:
فن الحياة.
رؤى لونا (رواية).
الحكمة لمن يبحث عنها.
في السعادة.. رحلة فلسفية