أطوار الحوار
بعد أن تحدثنا عن بعض السفسطات التي سميناها بأمهات السفسطات علينا الآن أن ندرك معنى الحوار ومراحله وآفاته، وكيف نقيِّمها ونقوِّمها.
يعرف الحوار بأنه فعل قاصد يتجلى في صورة متوالية من الرسائل أو أفعال الكلام، تحدث بين فردين أو أكثر، وتنقسم أطوار الحوار إلى أربع مراحل، المرحلة الأولى تسمى بالطور التنازعي، وفي هذه المرحلة يجب علينا أن نحرر محل النزاع، وتحرير محل النزاع يعني أن نحدد بدقة وعلى وجه التعيين ما الذي نختلف حوله؟ ربما تستخف بمثل هذه الفكرة، وتقول إنه شيء كما يقال: “تحصيل حاصل” فأي مناظر يعرف ما الذي يعترض عليه، ولكـن الحقيقة أن ذلك ليس صحيحًا أبدًا، فكثيرًا ما تبدأ النقاشات وتدور بين اثنين لا يعلم كلٌّ منهما هوية الآخر، ولا يدركان تحديدًا عن أي شيء يحدث التنازع، ثم في المرحلة الثانية وهي ما يسمى “الطور الانفتاحي” يتخذ المتحاورون قرارًا بحل النزاع بواسطة هذه المحادثة أو المحاورة، ويجب أن تكون هناك قواعد موجِّهة لهذا الحوار، وإلا تكون المحاورة ضربًا من العبث.
أما المرحلة الثالثة فهي “الطور الحجاجي” ويعد هذا الطور هو المحاورة ذاتها، ففيه يتم النقاش، ويأتي كل شخص بأدلته، ثم في نهاية المطاف تأتي المرحلة الأخيرة وهي “الطور الختامي” وفي هذا الطور نصل إلى النتيجة، فقد يتفق الطرف الأول مع الثاني، أو العكس، وقد يتفق كلٌّ منهما مع بعض آراء الآخر ويرفض البعض، وقد ينتهي النقاش بالتوقف ويكون الحكم للجمهور الحاكم على المناظرة، أو غير ذلك، بهذه المراحل الأربع يمكننا ضمان الأطر العامة، والخطوط العريضة للعملية النقاشية، فلا يكون كلامنا من قبيل الهراء الذي تراه دائمًا في ساحات النقاش، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، والبرامج الحوارية التي غالبًا ما تنتهي بأن يضرب أحد الضيوف ضيفًا آخر، وغير ذلك من المهازل التي تخبرك عن تدني مستويات الحوار في عالم اليوم.
الفكرة من كتاب الحِجَاج والمغالطة
خطيب مفوَّه قادر على هزيمة متخصِّص في الطب أو الهندسة أو الفلك، حتى لو كان مدار النقاش في تخصُّص هؤلاء جميعًا، والرد على مغالطات منطقية هنا وهناك، من كذب ودجل ومعلومات خاطئة، فكيف يمكن للإنسان أن يفكر في عالم اليوم، وسط كل هذا الكم المختلف المضطرب المتناقض من البيانات والمعلومات المتناثرة يمينًا ويسارًا؟ كيف يمكن أن تضع قدمك على بداية طريق التعلم والمعرفة، وكيف تتخلَّص من مرحلة الشك، وما سبيلك إلى أول قدم من سلم اليقين، هذا ما يحاول كاتبنا الإجابة عنه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الحِجَاج والمغالطة
رشيد الراضي: كاتب مغربي، ولد في 20 مايو 1974، ودرس الفلسفة في مدينة أصيلة، ودرس مادة علوم التربية في المركز التربوي الجهوي بمدينة سطات المغربية، يحمل إجازة في الفلسفة من كلية الآداب جامعة الملك محمد الخامس في الرباط، ودبلوم الدراسات العليا في مناهج المنطق.
من أهم كتبه: المظاهر اللغوية للحجاج: مدخل إلى الحجاجيات اللسانية.