أساليب التحكم في العقل
أساليب التحكم في العقل
يمتلك الإنسان بضع غرائز أساسية للنجاة والتعامل مع الأمور غير المتوقعة، هذه الغرائز تعجل من قدرتنا على اتخاذ القرارات السريعة دون التأني من أجل التحليل والدراسة، فأنت لا تحتاج إلى دراسة لتدرك أن السيارة المنطلقة نحوك بسرعة جنونية ستصدمك، عليك فقط أن تُخْلِي الطريق، مثل هذا يصبح استخدامًا جيدًا لغريزة الخوف ويفي بالغرض، ولكن هذه المواقف لا تتكرر كثيرًا والعالم يصبح أكثر أمانًا بالنسبة إلى المخاطر الجسدية يومًا بعد يوم، ما يحدث كثيرًا هو حاجتنا إلى اتخاذ قرارات يومية للمستقبل كل حسب وظيفته ومسؤوليته في العالم، ولكننا في حالة تأهب مستمر، إذ تعمل وسائل الإعلام بكل أنواعها على إثارة غريزة الخوف بتعمد نشر الأخبار التي تثير الانتباه من الأذى الجسدي والاحتجاز والمرض، ما يجعل الأمر شديد التأثير، هو الأثر النفسي الشديد الذي يتركه الخوف في أذهاننا، فالخوف يكثف الانتباه و يصبه في اتجاه واحد (لاحظ تأثير حوادث الإرهاب أكثر من غيرها)، ولكننا إذا سلمنا عقولنا له فإننا نفقد القدرة على التفكير السليم واستعمال المنطق.
للتعامل مع الخوف أو الحاجة الملحة للفعل عليك أولًا أن تهدئ من روعك، أمهل نفسك بعض الوقت حتى تدرك المعلومات اللازمة، ولا تتخذ قرارات جذرية دون دراسة شاملة للتأثيرات الجانبية، تجنب الأفكار غير المنقحة، ومن الأفضل أن تصنع تغييرات صغيرة مع قياس فاعليتها في الواقع، وفي النهاية فإن المخاطر لا يمكن أن تسبب ضررًا دون عنصر التعرض، العالم مليء بالأخبار السيئة لأن التكنولوجيا أتاحت لنا القدرة على متابعة ما يحدث في جميع أنحاء العالم في كل لحظة، ولا يجب أن يسيطر علينا الخوف من أجل مخاطر لا يمكن التعرض لها، ليس كل ما تتناقله وسائل الإعلام يستدعي القلق.
على الرغم من ذلك يرى الكاتب أن هناك بالفعل بعض المخاطر العالمية المحتملة التي يمتد أثرها ليشمل جميع البشر، ومن ثم علينا أن نتكاتف جميعًا حتى لا تتحقق هذه المخاطر بشكل واقعي وتسبب مزيدًا من المعاناة وتعرقل حركة النمو الاقتصادي والاستقرار النسبي الذي يشهده العالم، من أكثر هذه المخاطر إلحاحًا بالطبع هو التغير المناخي والتهديد الذي يمثله لصور الحياة المختلفة والمجتمعات النامية، وتمتد قائمة الأخطار لتشمل نشوء حرب عالمية ثالثة وتبعات ذلك على الإنسانية والمستقبل، وكذلك انتشار الأوبئة المعدية عالميًّا (فيروس كورونا مثالًا!)، واحتمالية حدوث انهيار اقتصادي كالذي صدم العالم في عام 2008م، هناك أيضًا الحقيقة القبيحة للفقر المدقع الذي يهد حياة نحو مليار إنسان، ومع ذلك فإن أولوية معالجة هذه الأخطار لا تنفي أهمية التأني والدراسة التفصيلية من أجل الوصول إلى الحقيقة.
الفكرة من كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
تخيل أننا تمكننا من وضع بعض أفراد الشمبانزي تحت الاختبار عن بعض المعلومات العامة مثل عدد الفقراء في العالم، إحصائيًّا يفترض أن يصيب الشمبانزي الاختيار بنسب مقاربة لنتائج الاختيار العشوائي، أما إذا تم وضع بعض الأشخاص تحت نفس الاختبار فإنهم يحرزون نتائج أكثر دقة، أليس كذلك؟ في الواقع الإجابة عن هذا السؤال شديدة الإحباط، فقد وجد الكاتب بعد أن أجرى العديد من الاستطلاعات والاختبارات على مجموعات مختلفة أن أغلب البشر لا يملكون معرفة سليمة بالأمور الأساسية في هذا العالم، ويحرزون نتائج صحيحة بنسبة أقل من الشمبانزي! لا ينم هذا عن جهل أو تخمين خطأ فقط، وإنما هو توجه داخلي ونظرة شخصية تجعلنا نرى العالم بشكل مشوه وغير حقيقى، بصورة أسوأ مما هو عليه بالفعل.
ونتيجة لعدة عوامل نفسية وتأثيرات خارجية للبيئة والثقافة المحيطة، أصبح تبني صورة سلبية عن العالم وتوقع الأحداث والوقائع السيئة نمطًا وأسلوبًا للحياة العادية، يصاحب هذه الصورة اعتقاد دائم بأن كل شئ يتجه نحو الهاوية، على الرغم من أن الواقع يخبرنا كيف حققت البشرية تقدمًا ملحوظًا في جميع المجالات من الصحة إلى التعليم والثقافة وغيرها، إلى جانب ارتفاع جودة البنية التحتية وعناصر الرفاهية والمستويات المعيشية في المتوسط؛ هذه المعلومات تهم من يملكون القدرة على تخصيص الموارد وتوجيه الاستثمارات، كما توفر قدرًا من الارتياح والطمأنينة للشخص العادي.
مؤلف كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
هانز روسلينج: هو طبيب سويدي وبروفيسور في مجال الصحة العالمية، في حياته شغل روسلينج مناصب استشارية في منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وعمل على نشر الوعي بالحقائق والتصدي لمحاولات تزييف الواقع، فأسهم في إنشاء مؤسسة gapminde
r التي تقوم بدراسة البيانات والإحصائيات الخاصة بمستويات التقدم على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، من أجل تقديم المعلومات الخاصة بها في صور أكثر وضوحًا.
ويعد هانز من أكثر الناس تأثيرًا في العالم تبعًا لمجلة التايمز بفضل هذه الجهود، إلى جانب محاضراته على منصة TED التي شاهدها الملايين.
أولا روسلينج وآنا روسلينج رونند: هما شريكان مؤسسان في gapminder، صمما الأداة البرمجية Trendalyzer للرسوم البيانية التي اشترتها شركة جوجل.
معلومات عن المترجمة:
رفيف غدار: هي صاحبة الترجمات “المعجزة”، و”فن الاسترخاء”، وغيرها.