أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون؟!
أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون؟!
حينما تتأمّل في قوله تعالى ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ تلاحظ أنه قد ثبت تميّز الأمم السابقة في عمارتها للأرض وعلمها الدنيوي، لكن لم تنفعها عمارتها بمجرد تكذيبهم للأنبياء وعدم تحقيق العبودية لله عز وجل، فوظيفة الأنبياء جميعهم هي دعوة الخلق إلى عبادة الله والعمل للآخرة، وليست المنافسة العالمية في الحضارة المدنية ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾.
ولو تأمّلت المزيد في كيفية تعامل الأنبياء مع المنجزات الحضارية لأقوامهم، لاتضح لك الميزان الحقيقي الذي تقاس به الحضارة المُعاصرة، فنجد في قصّة نبي الله هود عليه السلام في خطابه مع قومه ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ فقد كان قوم عاد يتمتعون ببنية جسدية مميزة، وترف معيشي، ولهم من القصور والقوى المادية ولكنّها صرفتهم عن الإيمان بالله عز وجل حتى قالوا ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ فكانت قوّتهم المادية سببًا في غرورهم واستكبارهم وإعراضهم.
وكثير من تجارب الأنبياء مع أقوامهم تُبيّن جوهر الصراع بين الفتنة بالقوّة المادية والمبدأ الإيماني، وقد كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم واضحة وصريحة ﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ﴾ فلو كان النبي صلى الله عليه وسلّم يملك الإمكانيّات المادية ما تخلّف أحد عن اللحاق به، وهذه هي حقيقة الابتلاء والامتحان، فنبي الله سليمان عليه السلام كان ملكًا بيده كل أدوات النفوذ، لذا لم يتخلّف عن الإيمان به أحد، بل كانوا يطيعونه بمجرد إشارة منه.
الفكرة من كتاب مآلات الخطاب المدني
“رأيت إسلامًا بلا مُسلمين” هذه المقولة المعروفة التي تتردد كثيرًا على ألسنة عامة المسلمين، ما مدى صحّتها؟ وما الدوافع التي تشكّلت لتقريرها بين المجتمعات المُسلمة؟
إن الكثير من الخطابات المنتشرة بين عامّة المسلمين تحتاج إلى الوقوف على حقيقتها ومآلاتها، فقد تبدو في ظاهرها لا شيء عليها، إلا أن أصولها ترتكز على الكثير مما يناقض الوحي، وسبب عدم الشعور بذلك هو ضعف الرجوع إلى الوحي في تحكيم كل خطاب، وعدم الرجوع إلى الوحي في التشكيل الفكري.
لذا يأتي الكتاب في محاولة لتحليل وكشف “الخطاب المدني” ويُقصد به الخطاب المنهزم أمام الثقافة الغربية، الذي يحاول تفريغ الإسلام من مضامينه ليوافق هوى الثقافة الغربية، فيأتي الكتاب ليُحكّم هذا الخطاب إلى الوحي، مُبيّنًا كيف يتعارض هذا الخطاب مع أصول الوحي ومضامينه.
مؤلف كتاب مآلات الخطاب المدني
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
سلطة الثقافة الغالبة، الماجريات، الطريق إلى القرآن.