نظرة عامة على هذه الأمم
نظرة عامة على هذه الأمم
نشأت هذه الأمم كلها بجوار المياه، وإن لم يكن كلهم أصحاب البلاد التي بنوا مجدهم فيها؛ فالمصريون على سبيل المثال قدِموا من آسيا، والفينيقيون أصلهم أمم كانت على شواطئ الخليج الفارسي، وكانت حياتهم تدور بين العمران والإغارة على البلاد الأخرى، فأغار المصريون على الآشوريين والكلدانيين والفينيقيين، وأتى الفرس ليغيروا على المصريين، وكانت الحروب بين هذه الأمم سجالًا؛ تارةً تتقدَّم وتعلو رايتها، وتارة تتراجع وتندحر.
وقد استفاد كلٌّ منهم من الأمم التي أغارت عليهم وحكمتهم، كما فعل الفينيقيون، واستفادوا من الأمم التي أغاروا هم عليها، كما فعل الفرس مع المصريين والآشوريين والفينيقيين، وتشرَّبوا ثقافاتهم حتى إن هذه البلاد تحدَّثت لغة البلاد الأخرى وانصهرت فيها وأصبح لها أسلوبها الخاص بها، ولهذه الأمم أطوار من التقدم والرِفعة بسبب قوة حكامها، والظروف المواتية مثل انشغال العدو عنها، كما أن لها أطوارًا من التأخُّر، نتيجة ضعف الحكَّام أو الموارد أو تسلُّط المحيطين.
من هذه الأمم من ذهب بلا رجعة كالفينيقيين، ولم يبقَ ما يعبِّر عنهم سوى القليل، ومنهم من بقيت آثارهم شاهدة عليهم كالمصريين، وقد تنوَّعت ديانات هذه الأمم، إلا أنه يمكن إجمال القول إنها كانت ديانات وثنية، تعبد الشمس أو القمر أو النار أو الحيوانات، وكان بعضهم شديدي التديُّن والتمسك بالمعتقدات كالمصريين القدماء والفرس.
استغلوا جميعًا ما أتيح لهم من موارد، وعملوا على تنميتها والإضافة إليها، واستيراد تحديثات البلاد الأخرى، وكانوا يستفيدون من تجارِبهم وأخطائهم، ويعملون على تلافيها، وكان بينهم تجارات وصلات كثيرة يكمل بعضها بعضًا، وعاش بعضهم التطوُّر الأدبي والفكري والعلمي والإداري بجوار التطور المعماري والتِّجاري كالمصريين الذين تغيَّرت لغتهم وتطوَّرت أكثر من مرة، وتركوا نقوشًا وبرديات تذكر أفكارهم وتحكي قصصهم، كما جمعوا ممالكهم ووحدوا شعبهم وتوحَّدوا أمام المعتدين وصدُّوا هجماتهم، وأغاروا على البلاد الأخرى.
الفكرة من كتاب تاريخ المشرق
المشرق مهدُ الحضارات وأصلها، شهد أقدم الثقافات في العالم، بدأ تاريخه مع بداية الاستيطان البشري، ونهضت عبره العديد من كبرى الإمبراطوريات والحضارات، بَدءًا من حضارة مصر الفرعونية، والحضارتين البابلية والآشورية اللتين قامتا على نهري دجلة والفرات، ومرورًا بالحضارة الفينيقية في سوريا، وحضارة بلاد فارس؛ فهذه الحضارات هي التي تختزل في أعماقها التاريخية العظمة الحضارية لبلاد المشرق.
يتحدَّث غاستون ماسبيرو في هذا الكتاب عن حضارات أربعٍ من الأمم القديمة، فيتناول الأماكن التي سكنوها، ويتحدث عن أصولهم وملوكهم، والإسهامات التي قدموها، والحروب التي دخلوها، ثم ديانتهم، وحِرَفهم وصناعتهم ولغتهم.
مؤلف كتاب تاريخ المشرق
غاستون ماسبيرو Gaston Maspero: عالِم آثار فرنسي من أشهر علماء المصريات، وُلِدَ في باريس عام ١٨٤٦م، وأحْرَزَ تفوُّقًا على أقرانه من علماء المصريات من خلال اطِّلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في مُتحف اللوفر، ونقوش المسلَّة المصرية بميدان «لاكونكورد»، وجذب باجتهاده في مجالَيِ الآثار والتاريخ أنظار العمالقة من علماء الكوليج دي فرانس، ومن ثَمَّ تطلَّعوا إلى تنصيبه على كرسي المصريات، ولكنَّ صِغَر سنه حال دون تحقُّق ذلك الأمر، فقرَّروا منحه لقب أستاذ مساعد لمدة يومين، ثمَّ نصَّبُوه بعدها على كرسي علم المصريات، وقد شغل منصب مدير مصلحة الآثار المصرية.
أعاد ترتيب المتحف المصري ببولاق، ونقل محتوياته إلى متحف القاهرة الحالي، واكتُشِفت في عهده مئات التماثيل، وتُوُفِّيَ عام ١٩١٦م، ودُفِن بفرنسا، وقد أُطلِق اسمه على مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري؛ تخليدًا لجهده الحثيث الذي بذله من أجل المحافظة على الآثار المصرية. من أهم أعماله ومؤلفاته:
– الفن المصري.
– حكايات شعبية فرعونية.
– الأغاني الشعبية في صعيد مصر.