نسيان عملية العمل
نسيان عملية العمل
إننا نلاحظ من خلال حياتنا اليومية أن القدرات الإبداعية لبعض البشر تختفي بسرعة جدًّا بمجرد ظهورها، وكأنها لم تترك أثرًا، فهذا المعطف الذي ترتديه ليقيك البرد ويشعرك بالدفء تتجلَّى فيه القدرة الإبداعية البشرية رغم أن الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين قاموا بصناعة هذا المعطف لا توجد أسماؤهم عليه، إلا أننا نعلم أنها تتضمَّن ما يسمَّى “توقيعات بشرية”، حيث إن الكثير من الأشخاص قاموا بصناعة هذا المعطف وغيره من الأشياء ولا توضع أسماؤهم عليها، ولكن يمكن أن نستدل عليهم من خلال علامة الشركة المصنِّعة للمعطف.
نحن في كل يوم نصادف الكثير من الأشياء المصنعة خلال تسوُّقنا، لكننا ننظر إليها بشكل خاطئ، حيث لا نسأل كيف وصلت السلعة أو المنتج إلى أيدينا، وكيف جرت عملية صناعتها؟ فالمستهلك لا يجد في نفسه اهتمامًا لمعرفة المكان الذي جاء منه هذا المنتج، ولا يعير أي اهتمام للكيفية التي تمت صناعته بها، فكل ما يعنيه ويهتم له أنه جاء من الشركة الفلانية أو المحل الفلاني، فسؤاله يتوقف عند الشركة والمحل ولا يتعدَّاه إلى ما قبله.
وبالتالي وفي خضم ذلك فإننا ننسى التفاصيل الدقيقة التي خاضتها هذه الأشياء والسلع خلال مراحل الإنتاج، وهذا النسيان “لعملية العمل” يجعلنا نتعامل مع الأشياء وكأنها أشياء مجردة منفصلة عن الإنسان بمجرد أن ينتقل الشيء من أيدي صانعيه إلى السوق، وهذا يعد شكلًا من أشكال تحويل القدرات البشرية والإبداعية إلى خصائص يتم إسقاطها على الأشياء، فتتحوَّل هذه الأشياء إلى قوانين طبيعية مستقلة عن الإنسان، رغم أنها نتاج نظام اقتصادي واجتماعي هو النظام الرأسمالي الذي هو من خلق وصناعة الإنسان، وهذا راجع إلى نسيان أن مصدر الربح ما هو إلا فائض القيمة من العمل البشري، فنحن ننسى القوام البشري الذي ينتج السلع والمنتجات نتيجة أنه “كلما زاد تركيز السوق واتساعها في المدن سهل نسيان المنشأ الأصلي للأشياء التي تم شراؤها وبيعها بتلك الأسواق”.
الفكرة من كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
لقد أضحى النسيان سمة أساسية من سمات الحداثة، حيث أصبحت المجتمعات تفقد تدريجيًّا ذاكرتها وعلاقتها بالماضي كنوع من أنواع فقدان الذاكرة الجماعي، مما ينتج عن ذلك من تدمير الروابط التي تقوم بوصل الإنسان المعاصر بماضيه، وبالتالي فصله عن جذوزه الممتدة إلى الأجيال السابقة عليه، حيث أصبح الجيل الصاعد من الجنسين (الرجال والنساء) يفتقر إلى تلك العلاقة العضوية التي تربطه بالماضي، تلك العلاقة التي خلقت وأوجدت الحاضر الذي يعيشه الآن، فنجد أن الإنسان المعاصر بسبب السيل الهادر من المعلوماتية لم يعد لديه قدرة على التذكر أو الوعي التاريخي، وأصبح يمتلك ذاكرة السمك.
مؤلف كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
بول كونرتون ، يشعل وظيفة باحث مشارك في قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، كما أنه زميل شرف بمعهد الدراسات الألمانية والرومانسية بجامعة لندن، من كتبه: “كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟”.
معلومات عن المترجم:
علي فرغلي، هو عضو هيئة التدريس بكلية الآداب قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس، كما شغل منصب النائب الأسبق لعميد كلية الآداب بجامعة تعز باليمن، له عدد من الكتب التي قام بتأليفها، مثل: “الدولة والطبقات الاجتماعية في مصر”، و”العولمة والهوية الثقافية”، ومن الكتب المترجمة: “النظرية الاجتماعية والواقع الإنساني”.