نحن والآخرون
نحن والآخرون
هناك رغبة بشرية قوية للتفريق وفصل الأشياء بعضها عن بعض، ربما لأن علينا اتخاذ القرارات وتكوين انطباعات حول الأشخاص والأشياء دائمًا، فإننا نلجأ إلى صناعة نماذج مبسطة تسهل هذه العمليات، ولكن الحياة في الواقع شديدة التعقيد ولا تمتثل لهذه النماذج، فمثلًا يميل الناس إلى تقسيم الدول إلى دول غنية (دول العالم الأول) ودول فقيرة (دول العالم الثالث)، هذه الصورة قديمة للغاية ولا تمثل الواقع في الحقيقة، فأغلبية الدول في العالم أصبحت ذات دخل متوسط ونجحت في الاندماج مع العالم الحديث، لذا يقترح الكاتب نموذجًا آخر للقياس؛ يتكون هذا النموذج من أربعة مستويات للدخل بداية من دولار واحد يوميًّا في المستوى الأول إلى 64 دولار أو أكثر في المستوى الرابع، وبتوزيع السكان عالميًّا على هذه المستويات تصبح النسبة 1:2:3:1، يتضح من هذا التوزيع أن نحو 5 مليار نسمة (في المستوى الثاني والثالث) يحصلون على دخل متوسط من 4 دولارات إلى 16 دولار أو أكثر يوميًّا، وهو ما يعني أن الحد الفاصل بين الفقراء والأغنياء أصبح مساحة كبيرة من متوسطي الدخل الذين نجحوا في الخلاص من الفقر وأصبح بإمكانهم الحياة بصورة أفضل من ذويهم في الماضي.
للتغلب على رغبة التفريق هذه، حاول أن تبحث عن الأرقام التي تشغل الوسط، لا تكتف فقط بمقارنة الرقم الأكبر بالرقم الأقل، وعند مقارنة المتوسط الحسابي بين مجموعتين أو أكثر، تذكر أن التوزيع الإحصائي قد يتطابق بصورة كبيرة حتى مع اختلاف المتوسط، وإذا كنت تنتمي إلى أفراد المستوى الرابع فقد يخيل إليك أن المستويات الأقل متماثلة في الفقر، لأن الناظر من أعلى لا يدرك الاختلافات البسيطة في الدخل، التي تكون كافية في بعض الأحيان لتغيير نمط الحياة بأكملها.
من المهم أيضًا أن نعلم أن العالم في حالة حركة مستمرة وتغير لازم، وأن بعض دول العالم الأول كانت منذ زمنٍ غير بعيد في موقف الدول النامية في وقتنا الحالي، الغرض هنا هو الاعتراف أن عجلة التقدم قادمة لا محالة، وأن الاعتقاد النابع من أن كل الأشياء السلبية مُقَدّر لها أن تحدث وتستمر بسبب عدم صلاحية بعض المجتمعات والثقافات للنهضة والخروج من مأزق الفقر وكسر الخرافات هو أمر غير صحيح، يمكنك التأكد من ذلك بنفسك؛ تحدث مع أحد أجدادك حول صورة الحياة وكيف كانت في شبابه، يمكنك أيضًا الاطلاع على البيانات الحديثة ومقارنتها بالماضي، وتذكر دائمًا أن التغيير مهما كان بطيئًا فإنه يظل تغييرًا.
الفكرة من كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
تخيل أننا تمكننا من وضع بعض أفراد الشمبانزي تحت الاختبار عن بعض المعلومات العامة مثل عدد الفقراء في العالم، إحصائيًّا يفترض أن يصيب الشمبانزي الاختيار بنسب مقاربة لنتائج الاختيار العشوائي، أما إذا تم وضع بعض الأشخاص تحت نفس الاختبار فإنهم يحرزون نتائج أكثر دقة، أليس كذلك؟ في الواقع الإجابة عن هذا السؤال شديدة الإحباط، فقد وجد الكاتب بعد أن أجرى العديد من الاستطلاعات والاختبارات على مجموعات مختلفة أن أغلب البشر لا يملكون معرفة سليمة بالأمور الأساسية في هذا العالم، ويحرزون نتائج صحيحة بنسبة أقل من الشمبانزي! لا ينم هذا عن جهل أو تخمين خطأ فقط، وإنما هو توجه داخلي ونظرة شخصية تجعلنا نرى العالم بشكل مشوه وغير حقيقى، بصورة أسوأ مما هو عليه بالفعل.
ونتيجة لعدة عوامل نفسية وتأثيرات خارجية للبيئة والثقافة المحيطة، أصبح تبني صورة سلبية عن العالم وتوقع الأحداث والوقائع السيئة نمطًا وأسلوبًا للحياة العادية، يصاحب هذه الصورة اعتقاد دائم بأن كل شئ يتجه نحو الهاوية، على الرغم من أن الواقع يخبرنا كيف حققت البشرية تقدمًا ملحوظًا في جميع المجالات من الصحة إلى التعليم والثقافة وغيرها، إلى جانب ارتفاع جودة البنية التحتية وعناصر الرفاهية والمستويات المعيشية في المتوسط؛ هذه المعلومات تهم من يملكون القدرة على تخصيص الموارد وتوجيه الاستثمارات، كما توفر قدرًا من الارتياح والطمأنينة للشخص العادي.
مؤلف كتاب الإلمام بالحقيقة: عشرة أسباب تجعلنا مخطئين بشأن العالم وعلة كون الأمور أفضل مما تظن
هانز روسلينج: هو طبيب سويدي وبروفيسور في مجال الصحة العالمية، في حياته شغل روسلينج مناصب استشارية في منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، وعمل على نشر الوعي بالحقائق والتصدي لمحاولات تزييف الواقع، فأسهم في إنشاء مؤسسة gapminder التي تقوم بدراسة البيانات والإحصائيات الخاصة بمستويات التقدم على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، من أجل تقديم المعلومات الخاصة بها في صور أكثر وضوحًا.
ويعد هانز من أكثر الناس تأثيرًا في العالم تبعًا لمجلة التايمز بفضل هذه الجهود، إلى جانب محاضراته على منصة TED التي شاهدها الملايين.
أولا روسلينج وآنا روسلينج رونند: هما شريكان مؤسسان في gapminder، صمما الأداة البرمجية Trendalyzer للرسوم البيانية التي اشترتها شركة جوجل.
معلومات عن المترجمة:
رفيف غدار: هي صاحبة الترجمات “المعجزة”، و”فن الاسترخاء”، وغيرها.