من أين أبدأ؟

من أين أبدأ؟
إن المسلم حين يقرأ الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ يدرك أن التغيير ممكن، ولعله قد يتساءل عن كيفية حدوث هذا التغيير الذي منَّى نفسه به كثيرًا، فما أجمل أن يعيش المسلم في بيئة إسلامية يرى فيها شرع الله مطبقًا في جميع المساحات، وأن يحيا لله وبالله، ولكن المشكلة تبدأ حين يحاول أن ينتقل من الموجود إلى المقصود، أي من واقعه الحالي إلى ما يريده ويطمح أن يصل إليه، فهنا يأتي دور السنن ويأتي دور العلم، إذ إن الجاهل الذي لا يملك أدوات فهم الموجود لا يستطيع الحركة في الواقع إلى المقصود، بل يظل عاجزًا حائرًا تائهًا يطلب الممكن بغير الممكن، ولو أنه علم وأدرك وفهم أن للواقع قوانين تحكمه، وأن للتغيير فقهًا ينبغي أن يدرس، لما شعر بهذا العجز، بل قام بإيجابية للتعلم ومن بعده بالعمل، فإن العقل الذي لا يؤمن بالسنن يقرأ هذه الآية، ثم ينتظر فعل الله ونصره فقط، كمن ينتظر المهدي أو ظهور صلاح الدين من جديد، وينسى الشق الآخر من الآية وهو أن يبدأ بتغيير نفسه وإدراكه، وأن يدرك سنن التغيير ليعمل في إطارها، وفي إطار الممكن.

إن الناظر إلى عالمنا المسلم يرى ما وصلنا إليه من استضعاف وتبعية، جعلت العقل في حالة جمود وتوقف، والمستوى العلمي في حالة تخلُّف وانحدار، وهذا الضعف والجمود يجعله عاجزًا عن مواجهة أيٍّ من مشاكله التي تطلب بسطة في العلم والجسم.
والقارئ للآية يدرك التراتبية الحاصلة؛ ابتداءً من تغيير القوم لما بأنفسهم يتبعه تغيير الله لحالهم، وأن عليهم أن يدركوا مسؤوليتهم عما هو كائن وحاصلٌ فيهم، وأنه من عند أنفسهم ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
الفكرة من كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
في هذا الكتاب يبحث الكاتب القانون الإلهي “حتى يغيروا ما بأنفسهم” الذي ورد في سورتي الأنفال والرعد، ويعمل فكره ليكشف لنا ماهية سنة التغيير، وهل هي سنة تخصُّ المسلمين فقط؟ وكيف نصل إلى التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وكيف نتحرَّر من أوهام الأفكار التي صنعناها وجعلناها مقدَّسة؟
فكما يقول مالك بن نبي في تقديمه للكتاب: “إن الكاتب يحاول تخليص القارئ من الحتمية التي يقيِّدها به القانون”، فمثلًا الجاذبية الأرضية قانون حتمي، ولكن كيف طار الإنسان!
إن القانون لا يعني استحالة مطلقة ولكنه تحدٍّ بحاجة إلى استجابة، وهكذا التاريخ والمجتمعات وفعل التغيير فيها، ففكرة تغيير النفوس تجعلنا نتجاوز سببية وحتمية توينبي أو هرم الدولة عند ابن خلدون.
مؤلف كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
جودت سعيد هو مفكِّر سوري من مواليد عام 1931م بقرية بئر عجلان في الجولان السورية، يعتبر امتدادًا لفكر مالك بن نبي ومحمد إقبال.
سافر إلى مصر ليتعلَّم بالأزهر الشريف أتمَّ الثانوية العامة هناك، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرَّج فيها، والتقى مالك بن نبي في مصر وأعجب كثيرًا بأفكاره وتأثَّر بها.
يعدُّ جودت سعيد من دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي، لدرجة أنه سُمِّي بغاندي العرب، يحاول أن ينطلق من القرآن في دراساته، ويدعو إلى إعمال العقل، وإلى بحث المشتركات الإنسانية.
من مؤلفاته: “مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”، و”العمل قدرة وإرادة”، و”الإنسان حين يكون كلًّا وحين يكون عدلًا”، و”اقرأ باسم ربك الأكرم”، و”كن كابن آدم”، و”رياح التغيير”.