مغالطات
مغالطات
أما في الصراعات الواقعية، فإنهم يصوّرون أن الواقع الثقافي اليوم هو مُجرد اختلاف فكري، لا توجد فيه أي دوافع دينية، ولذلك يضيق دعاة المدنية حينما تُذكر بعض المفاهيم الشرعية خلال البحث في الشأن الثقافي، وهذا مخالف لما أقره القرآن بوجود خصوم للدين ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ فهي ظاهرة مؤكدة بالوحي، فلا يجوز اعتبار كل القضايا الفكرية لا موقف لها من الدين والوحي.
ومن الضروري استيعاب ذلك لأن الموالاة والمعاداة يقومان على هذا الأصل، ولا يجوز التسوية بين المختلفين، لذا ذكر لنا القرآن شعب النفاق، وميّز بمن كان في قلبه مرض وبمن كان في قلبه نفاق مطلق والعياذ بالله، وشعب النفاق كشعب الإيمان تُعرف بالتوسّم في الأحوال والأمارات، وقد تزداد الشعب في قلب الإنسان حتى تُهلكه والعياذ بالله ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ ومن أعظم شعب النفاق الاستياء بمرجعية الوحي، والاستخفاف بالقرون المفضلة، وتعظيم الكفار الدائم، وهذه من أكثر شعب النفاق المعاصرة التي تستدعي التحصين الإيماني.
ولهذا نرى بروز كلمة “النسبية” بين غلاة المدنية، وأنه لا يوجد شيء قطعي في الوحي، بل جُل المسائل مسائل اجتهادية لا يستطيعون الجزم بها، لذا يتهمّون الداعية الذي يغضب لله “دوغمائي” أو متعصب فكريًّا، والمتأمّل لسيرة النبي صلى الله عليه وسلّم يجد غيرته وحماسه وحميته صلى الله عليه وسلم على كل أمر إلهي، فالغضب لله ليس شهوة تسلط بل هو أعلى مقام إيماني، أمّا البرود أمام مظاهر التقصير الديني فهذا كان من أسباب لعن بني إسرائيل ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
فالمغالاة في النسبية تؤول إلى العدمية المحضة، حيث لا شيء ثابت، ولا يمكن تقرير أي مُعطى شرعي، ويترتب على ذلك خسارة اليقين، والإغراق في الحيرة والتلوّن.
الفكرة من كتاب مآلات الخطاب المدني
“رأيت إسلامًا بلا مُسلمين” هذه المقولة المعروفة التي تتردد كثيرًا على ألسنة عامة المسلمين، ما مدى صحّتها؟ وما الدوافع التي تشكّلت لتقريرها بين المجتمعات المُسلمة؟
إن الكثير من الخطابات المنتشرة بين عامّة المسلمين تحتاج إلى الوقوف على حقيقتها ومآلاتها، فقد تبدو في ظاهرها لا شيء عليها، إلا أن أصولها ترتكز على الكثير مما يناقض الوحي، وسبب عدم الشعور بذلك هو ضعف الرجوع إلى الوحي في تحكيم كل خطاب، وعدم الرجوع إلى الوحي في التشكيل الفكري.
لذا يأتي الكتاب في محاولة لتحليل وكشف “الخطاب المدني” ويُقصد به الخطاب المنهزم أمام الثقافة الغربية، الذي يحاول تفريغ الإسلام من مضامينه ليوافق هوى الثقافة الغربية، فيأتي الكتاب ليُحكّم هذا الخطاب إلى الوحي، مُبيّنًا كيف يتعارض هذا الخطاب مع أصول الوحي ومضامينه.
مؤلف كتاب مآلات الخطاب المدني
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
سلطة الثقافة الغالبة، الماجريات، الطريق إلى القرآن.