مع الجغرافيا واستشراف المستقبل
مع الجغرافيا واستشراف المستقبل
كانت نظرة جمال حمدان إلى الجغرافيا وتعامله معها أمرًا فريدًا، إذ لم يرها كعلمٍ جامد جاف، بل كان يُشبهها بسندريلا العلوم ويُخاطبها كأنها محبوبته.
ورآها مزيجًا من العلوم المختلفة، وشبَّه موقعها بين العلوم بموقع مصر بين البلاد، وأسس مدرسة في التفكير الاستراتيجي تجمع الجغرافيا -التي لا يراها البعض إلا حديثًا عن الموقع والتضاريس- مع السياسة والاقتصاد والتاريخ، ليُرينا جغرافيا الحياة التي تتداخل مع حياة الناس في كل يوم، وتُمثل كل ما يتحركون فيه خارج البيت، أو بعبارة جمال حمدان: “حيثما تكونوا تدرككم الجغرافيا”.
ووصف الجغرافيا بأنها علم المكان كما التاريخ علم الزمان، وقال إنها تتعدى وصف المكان إلى فلسفة المكان، لتكون قمة الجغرافيا هي معرفة شخصيات الأقاليم.
كان يرى أنه لا علم بلا جامعة أو مؤسسة مشابهة، ولكن معظم الجغرافيا الجامعية بدت له كجغرافيا أطفال، ربما لأن العلم في الجامعة يتحول إلى وظيفة ويُحول العالم إلى موظف.
وكان أسلوب كتابته يجمع بين الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي الجميل، ورأى أن على الجغرافيين الابتعاد عن أسلوب الكتابة العلمية التقليدي الذي يُبعد الجغرافيا الجميلة عن العامة والمثقفين، وأنه ينبغي أن نُضيف الإعلام إلى الجغرافيا لبناء وعي جغرافي لدى جماهير الناس، والجغرافيا عنده أفضل وعاء يُمكن أن تُقدم فيه المعرفة الإنسانية لعامة الناس بما فيها من العلوم الطبيعية والاجتماعية، والجغرافي في رأيه هو فيلسوف مثقف وهو المتخصص في عدم التخصص و”حاوي العلوم”.
وحينما ننظر في كتابات جمال حمدان، نجد عمقًا وتحليلًا واستشرافًا للمستقبل، كما في دعوته للثورة المصرية التي تجعل شعب مصر هو حاكمها وتجعله حُرًّا عزيزًا وتدفن بقايا الطغيان الفرعوني، وفي حديثه عن تراجع الساحل الشمالي لدلتا النيل إذ تحول من ساحل إرساب إلى ساحل تعرية بعد احتجاز السد العالي للطمي.
وكذلك في تنبؤه بتفكك الاتحاد السوفييتي بعدما حاصرته أسلحة أعدائه النووية في كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، وفي تنبؤه بسقوط أمريكا وقوله إنها أشبه ببريطانيا القرن العشرين، لكنها في استعمارها تختلف عمن سبقوها إذ تنكر علاقتها بالاستعمار وتُنكر أن الاستعمار جرم فتُعلن بوقاحة أنها تسرق وأن لها حق السرقة، ووصفها أيضًا بسرطان العالم الإسلامي.
كما تنبأ بصعود الإسلام وعودته، وباعتبار الغرب الإسلام عدوًّا جديدًا له بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والشيوعية.
الفكرة من كتاب جمال حمدان وعبقرية المكان
جمال حمدان، هو ذلك العالم الفريد الذي عشق الجغرافيا فكان من أعلامها، وعُرف بموسوعته “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نعرف فيها نشأته ودراسته، وعزلته عن المجتمع، ونظرته إلى علم الجغرافيا وعلاقته بغيره من العلوم، ونلقي نظرةً على مؤلفاته وإنتاجه العلمي، وعلى آرائه في قضايا عديدة، حتى نصل إلى قصة وفاته الغامضة التي تحيطها علامات الاستفهام.
مؤلف كتاب جمال حمدان وعبقرية المكان
محمد محمود غنيمة: كاتب وباحث جغرافي، وموثِّق تاريخي، عمل بمكتبة الإسكندرية، وشارك في إعداد مواد وثائقية لكتب عديدة، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات مصرية وعربية، من مؤلفاته: “ذاكرة النخبة – أوراق ومراسلات نادرة من التاريخ الحديث”، “عروش تتهاوى – النهايات الدرامية للأسرة العَلَوية” ومجموعة قصصية بعنوان “غيبوبة”.
أيمن منصور: باحث، وعمل بإدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية.