معاملة الناس: دليل إرشادي
معاملة الناس: دليل إرشادي
لقد ذكر كارنيجي أن الإنسان يحتاج دومًا إلى يقظة ذاتية ومحاسبة دائمة كي يستقيم سلوكه؛ فيحسن بكل إنسان أن يجعل في جيبه مفكرة ليتسنَّى له مراجعة نفسه وأفعاله، وأن يجعل أهله وأسرته رقباء عليه فيكافئهم عندما يخبرونه بخطأ قد وقع فيه، ويؤكد حقيقة كون المجرم لا يحب أن يوجَّه إليه اللوم، فما بالنا بالشخصيات الشريفة إذا وقع أحدهم في هفوة وجَّهنا إليه أشد اللوم وهو ثقيل على النفس! يحسن بالإنسان أن ينشغل بعيوبه فيعالجها قبل أن يترصَّد لعيوب الآخرين، فما أسهل أن يُوجِّه اللوم ولكن الصعب حقًّا أن يلتزم الإنسان الأخلاق ويتحلَّى بالصفات الحميدة، وعليه يجب أن ننتحل للآخرين الأعذار عند التقصير وذلك أقرب إلى الإنصاف، ويذهب كارنيجي إلى أن حب الظهور هو مقصد أعمال كل الناس، لذا من الأفضل استغلال ذلك بحيث نمدحهم ليكون ذلك بمثابة طاقة هائلة لهم.
يقابل الكاتب بين ما قاله كارنيجي وما هو حاضر في التراث الإسلامي فيدلِّل على اليقظة الذاتية بالمراقبة الذاتية واستشعار أن الله (عز وجل) يرانا ومطلع علينا، ويقابل المفكرة بمفهوم المحاسبة إسلاميًّا، ونجد عمر بن عبد العزيز (رحمه الله) قد جعل مولاه مُزاحم رقيبًا عليه، أما كون الإنسان لا يُحب أن يُلام فهذا صحيح ولكن لا ينبغي أن يكون الأمر على إطلاقه فيفسد المجتمع، بل يكون الإعذار لذوي الإحسان وأهل الصلاح، وعن انشغال الناس بعيوب غيرهم دون عيوبهم، فقد جاء في القرآن قول الرب (عز وجل): ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجتنب النقد الجارح، أو توجيهه مباشرةً إلا إذا لزم المقام ذلك، ومن إعذار الناس ما فعله عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من ترك لحد السرقة عام الرمادة نظرًا إلى شدة الجوع.
أما كون النفس البشرية بطبعها تحب الظهور فهذا صواب ولكن هناك من يسعى لأكبر من ذلك: رضا المولى (سبحانه وتعالى)، ولهذا فإن كان المديح يدفع الإنسان الصالح إلى الخير فحسنٌ هو، وإن قاد إلى الغرور يكون من المديح المنهي عنه.
الفكرة من كتاب أليس في أخلاقنا كفاية؟
حظيت كتب الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي Dale Carnegie بالشهرة الواسعة حتى أنها تُرجِمت إلى لغات عديدة وطُبعت مئات الطبعات وطارت بها الأرض كلها على الرغم من أن ما فيها ليس جديدًا، ولكنها كانت خلاصة تجاربه الحياتية، وقد دفع ذلك الدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى لتأليف هذا الكتاب؛ فيقابل فيه بين ما ذكره كارنيجي في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” وبين ما هو حاضر في السياق الإسلامي سواء بذكر الأدلة على المسألة الواحدة أو بنقدها وبيان الصواب فيها أو بتفصيل أمرها المُجمل.
مؤلف كتاب أليس في أخلاقنا كفاية؟
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية بالسعودية، وحصل على الدكتوراه عام 1412هـ من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وشغل منصب وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم.
وله مؤلفات أخرى منها: “مشاهدات في بلاد البخاري”، و”أليس في أخلاقنا كفاية”، و”المنتقى من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى”.