ماذا بعد الانتصار؟

ماذا بعد الانتصار؟
أهم مصادر القوة للنظام الدكتاتوري هي موارده البشرية إما بضمانه الطاعة والولاء من الشعب مخيَّرًا أو مُسيَّرًا، أو المؤسسات والجماعات المعاونة للنظام، ومن هنا يكتسب النظام شرعيته وينشر في الأرض الفساد والظلم، لذا فكل خطوة في النضال ذات أهمية خاصة، فبها يكتسب الناس ثقةً متبادلة فيما بينهم وثقةً بقيادات الحركات الديمقراطية، تُحرِّكهم إلى ذلك دوافعهم نحو الحرية.

ويحدث التحول المؤسساتي للمجتمع تدريجيًّا بعد سنوات من بدء التحدي الجماهيري للنظام، وحينما يتضح للعوام نقاط ضعف الدكتاتور يتشاركون بصورة أوسع، ومن المتوقع أن يأتي الاستنكار الدبلوماسي الدولي في مرحلةٍ ما ويمارس المزيد من التضييق على الدكتاتور. كل هذه العوامل وهذه الخُطى توحي بأن انتصارًا كبيرًا في الطريق، على الناس التحلي بالصبر والمقاومة ليشعروا مذاقه، وهذا لا يعني إغفال النصر في كل مهمة خاصة محددة تم تنفيذها بنجاح كإضراب أو تغييرٍ ما، بل يجب الاحتفال بكل نصرٍ صغير مع الحيطة والحذر وعدم الإفراط للحفاظ على الروح المعنوية للشعب في قمتها.
فماذا بعد الانتصار؟ وما كيفية التحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية؟ يجب أن يتم الإعداد لعملية التحول من بداية النضال، فلا بدَّ من وضع تصور شامل لتشكيل الحكومة المؤقتة سريعًا وعدم التباطؤ في تلك الخطوة حتى لا ينشأ فراغٌ سياسي يسمح بنشأة دكتاتورية جديدة أو يسمح بفوضى لا يمكن التحكم بها.
ويحذر الكاتب من الاعتماد على الحكومة القديمة بوجوه جديدة أي تتبنى نفس المنهج الدكتاتوري، ومن ثمَّ لا جديدَ يُذكر بل هناك قديمٌ يُعاد، فأي انقلاب يستخدم شرعية زائفة لحقه في الحكم كغطاء على الانقلاب، وهنا لا بدَّ من عدم الاعتراف بتلك الشرعية.
ومنفذو الانقلاب دائمًا ما يطلبون من القادة والسياسيين التدعيم والانحياز لهم من أجل تعزيز وجودهم، وهذا المبدأ يتم منعه عن طريق التحدي السياسي واللاتعاون وشتى أساليب النضال ضد الأنظمة الدكتاتورية، لكن الفارق أن هذا النضال هو نضالٌ فوريٌّ يتم البدء به في الحال لهدم الانقلاب من بداية تكوينه. إن مجرد إسقاط نظام حكم دكتاتوري ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لغاية أعظم وهي السعي إلى ترسيخ دولة ديمقراطية مدنية حديثة تهتم بالحريات وحقوق الإنسان.
الفكرة من كتاب من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
رغم الإحصائيات الكثيرة عن عدد الدول التي يمكن وصفها بأنها حُرَّة؛ وأن العدد تزايد زيادة ملحوظة في السنوات العشر الأخيرة، فما زالت هناك شعوب كثيرة تعيش أسيرة تحت مظلَّة الظلم والفساد.
يتحدث الكاتب عن الأنظمة الدكتاتورية وآثارها السلبية في المجتمعات، ويضع تصورًا كاملًا لكيفية الخلاص منها ومعارضة الاضطهاد والتشجيع على الحريات، مُبينًا الطريق إلى ذلك وما يجب فعله من تخطيط ونضال سِلمي يبتعد كثيرًا عن العنف، محذرًا من مرحلة ما بعد الانتصار، فتلك المرحلة هي أكثر الأوقات التي تتعرَّض فيها الشعوب للنكسة والهزيمة.
مؤلف كتاب من الدكتاتورية إلى الديمقراطية
چين شارب: أستاذ العلوم السياسية، ولد عام ١٩٢٨ بولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، حصل على دكتوراه في الفلسفة وعلم الاجتماع، وارتبط اسمه بالكتابة والتأليف في الموضوعات الخاصة بالكفاح السلمي، وتوفي عام ٢٠١٨، ومن مؤلفاته:
ضد الانقلاب.
حرب اللاعنف.
البدائل السياسية.
القوة الاجتماعية والحرية السياسية.