لماذا لا يحب البشر الوظائف التافهة؟
لماذا لا يحب البشر الوظائف التافهة؟
في استطلاع رأي قامت به شركة yougov (المتخصصة في أبحاث التسويق) وجد أن 50% من البريطانيين راضون تمامًا عن وظائفهم، بينما رأي 37% أن وظائفهم لا تسهم بأي نفع على الإطلاق، أما البقية فكانوا متشككين في الأمر، وهذه النسب ظهرت بشكل متقارب في استطلاعات رأي مشابهة في أماكن أخرى، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من العاملين لا يشعرون بالسعادة في العمل لعدم تمكنهم من المشاركة في عمل جماعي أو المساهمة في تحقيق هدف ذي أهمية، أو تحقيق الذات من خلال إنجاز أعمال ذات تأثير نافع، هذه الأمور شديدة الأهمية لأن أغلب البشر ينظرون إلى العمل باعتباره جزءًا هامًّا في الحياة، وهذا الجزء لا بد أن يساعدهم على الاستقرار النفسي والمادي معًا، ما تفعله الوظائف التافهة هو أنها تخلق شعورًا بالفراغ، وهذا الشعور يمكن أن تكون نتائجه سلبية على الفرد والمنظومة ككل.
يشرح الكاتب هذه النتائج من خلال بعض الأمثلة التي وردت إليه في الرسائل، فإلى جانب أنها تهدر الطاقة والوقت للعاملين بها، فإن هذه الوظائف تسبب حالة من القلق والتوتر بسبب الغموض المحيط ببيئتها، ويتساءل العاملون غالبًا عن دورهم الحقيقي أو ما هي القواعد والحدود المسموح بها، إذ يختلف سلوك الرؤساء حسب الشخصية ولا توجد لوائح صريحة تنص على ما هو مسموح وما هو ممنوع، وحتى عندما يتمكن أحدهم من إدراك قواعد اللعبة والتلاعب بها، يظل هذا الشعور الداخلي بعدم الاستحقاق والدونية، خصوصًا وأن أغلب هذه الوظائف تتميز بأنها وظائف مكتبية عالية الأجر وتمنح أصحابها مكانة اجتماعية رفيعة، وهذا الأمر تحديدًا قد يصنع مشاحنات داخلية في مقر العمل، مسهمًا في تكوين بيئة عمل سيئة، ويناقش الكاتب نتيجة أخرى تتعلق بالتسلسل الهرمي في مقر العمل وديناميكية العلاقات، ففي البيئات التي تتسم بالجدية والوضوح، يدرك كل فرد دوره في إنجاز العمل وتسود حالة من التعاون والتفاهم بين الأفراد، أما البيئات التي يسود فيها الغش والتظاهر، فإنها تصبح عرضة لظهور العلاقات الاستبدادية والتعسفية التي يتمكن فيها الرؤساء من انتهاك حقوق موظفيهم دون مساءلة وذلك لتفشي الخداع والادعاء.
الفكرة من كتاب وظائف تافهة
هل تساءلت يومًا لماذا يكره العديد من البشر وظائفهم؟ ولماذا تنتشر النكات الساخرة عن بيئة العمل والرؤساء حتى وإن كان العمل ذا عائد مادي جيد؟ في هذا الكتاب يعرض عالم الأنثروبولوجي ديفيد جرابر نظريته عن طبيعة بعض الوظائف التافهة في الوقت الحالي، بمناقشة العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية التي أسهمت في صناعتها، موضحًا الأضرار الاجتماعية والفردية التي تتسبب بها، ويعد هذا الكتاب امتدادًا لمقال نشره الكاتب في جريدة سترايك !Strike عام 2013 يناقش الأمر ذاته، وانتشر انتشارًا سريعًا بسبب محتواه المثير للاهتمام، وتلقى الكاتب رسائل عديدة تؤيد محتوى المقال عن الوضع الحالي لسوق العمل، وتَرْوِي تجارب حقيقية في هذه الوظائف، فنحن جميعًا على علم بوجود هذه الوظائف التي تبدو بلا أي جدوى ولا تقدم أي فائدة للمجتمع، ولكننا على الرغم من ذلك لا نملك أي تفسير لاستمرارها بل وانتشارها أيضًا! وهنا قد يجادل البعض ويقولون إن الحكم على بعض الوظائف بالتفاهة أمر شخصي ولا يجب تعميمه، لذلك يُعَرِّف الكاتب الوظائف التافهة بأنها تلك الوظائف العديمة الفائدة أو المضرة بالمجتمع، حتى إن من يعملون بها لا يستطيعون الإتيان بمبرر جيد لوجودها حتى وإن كان عليهم التظاهر بعكس ذلك.
مؤلف كتاب وظائف تافهة
دايفيد جرابر: هو بروفيسور أنثروبولوجي أمريكي وناشط أناركي، درس جرابر في جامعة شيكاغو وأجرى أبحاثًا في مجال الأنثروبولوجي في مدغشقر، وحصل على الدكتوراه عام 1996، كما عمل أستاذًا مساعدًا بجامعة يال منذ عام 1998 وحتى عام 2005، ويشتهر جرابر بأعماله الأكاديمية في مجال الاقتصاد وعلم الأنثربولوجي وكذلك بدوره القيادي في حادثة Occupy Wallstreet، من أهم كتبه:
Debt: The First 5000 Years
The Utopia of Rules
The Dawn of Everything