قواعد ضبط المخطوطات وقضايا التحقيق
قواعد ضبط المخطوطات وقضايا التحقيق
كان المؤرخون المسلمون يعتمدون على تدوين الوثائق، ولم يكن للمعارف التي تعتمد على الذاكرة شأن في تأليفهم على الرغم من أن قوَّتهم في الحفظ كانت مدعاة للفخر، فإن أمانة العالم المسلم كانت تجعله يدرك أن النصوص إذا اعتمدت على الذاكرة فقط لم تسلم من الخطأ، فإن الحضارات كانت تعتمد على الكلمة المكتوبة، ولو اعتمدنا كليًّا على العلم المحفوظ لما وصلنا شيء من علم السابقين ولاندثرت العلوم رغم قوة الذاكرة، وقد كانوا يعتمدون على أسلوب الرواية في تدوين العلم.
وقد ألَّف الشيخ عبد الباسط العلموي كتاب “المعيد في أدب المفيد والمستفيد”، وفيه شرح للأدب مع الكُتب، حيث يوصي الشيخ بشراء أو تأجير الكتب التي تنفع طالب العلم، وإعارتها لمن يستحق حيث إن من يبخل بالعلم يُبتلى بنسيانه أو لا ينتفع به أحد، ثم يوصي المستعير بعدم حبس الكتب عن أصحابها، ورفض الاستعارة عند القدرة على تحصيله بالشراء أو الإيجار، ويقول الخطيب البغدادي في ذلك: “وبسبب حبسها امتنع غير واحد من إعارتها”.
أيضًا لا يجوز أن يُصلِح الكتاب دون إذن صاحبه، ولا يعيره، ولا ينسخ منه إلا إذا كان وقفًا على من ينتفع به، ويراعى وضع الكتب على شيء مرتفع، وينبغي الطهارة واستقبال القبلة عند نسخ أي كتاب من العلوم الشرعية وإلحاق اسم الله (عز وجل) بالتعظيم، واسم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة عليه دون اختصار، ولا يجب المغالاة في الخط، بل الأولى الاهتمام بتصحيحه وإظهار حروفه.
أيضًا من آداب تدوين العلم في مناهج المسلمين أهمية تصحيح الكتب ومقابلتها بأصل صحيح أو عرضها على شيخ لمراجعتها وتشكيل المشكل وضبط الملتبس والمشتبه، ثم وضع علامة فوق الأخطاء الصغيرة وتصحيحها في الحاشية، وإذا وقع خطأ في أثناء الكتابة فيجب في هذه الحالة الكشط أو المحو، أو أن يكتب لفظة “لا” أو “ساقط” فوق الخطأ، وأخيرًا لا بدَّ من الفصل بين كل كلامين بدائرة، ومراعاة الاختصارات دون إخلال والتسهيل في الحواشي.
الفكرة من كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
كيف نظر العالِم المسلم إلى المشكلات المهمة المتصلة بالبحث العلمي؟ وهل كان لدى العلماء العرب منهج علمي واضح الأصول؟
إن قضية أصالة المنهج العلمي للمسلمين تعدُّ من القضايا التي ثار حولها جدل كبير بين ادعاءات بالافتقار أو النقل، ومن هُنا كان روزنتال يلوم على المستشرقين مقاييسهم الصارمة التي يضعونها عند تقديرهم للبحث العلمي عند المسلمين، متغافلين عن اختلاف المعايير الحضارية والتقنية التي ساعدت الغرب، ولم تكنْ قد وصلت بعد إلى الشرق، فكيف نزن بمكيالين مختلفين إذًا؟!
مؤلف كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
فرانتز روزنتال Franz Rosenthal: مستشرق ألماني أنصف الفكر الإسلامي وقدَّره حق قدره، وعالم في الدراسات الإسلامية، ولد في برلين أغسطس عام 1914 وتوفِّي في أبريل 2003، درس الحضارات واللغات الشرقية وحصل بها على درجة الدكتوراه، ودرس اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا، وشغل بها منصب أستاذ اللغات السامية في جامعة بيل.
ترجم وحقق مقدمة ابن خلدون، ويهتم بالحضارة الإسلامية، ومن مؤلفاته:
تاريخ الطبري.
علم التاريخ عند المسلمين.
مفهوم الحرية في الإسلام.
مفهوم المعرفة في الإسلام.