قاعدة عقلية مهمة
قاعدة عقلية مهمة
اتفق العقلاء أن الخبر إذا ثبتت صحته كان مصدرًا صحيحًا من مصادر المعرفة، وتتكوَّن رواية الخبر -أي خبر- من ثلاثة أركان: نص الخبر، والناقل له، والظروف أو المعلومات المحيطة بهما، فالناقل للخبر إما صادق وإما كاذب، فإن جمع إلى صدقه قوة الحفظ والتثبُّت اقتضى ذلك الحكم بصحة خبره، ولكن بشرط ألا يخالف من هو أولى منه بالصدق والتثبُّت، أو يكون في روايته ما يشير إلى خطئها مثل عدم إمكانية الوصول؛ كأن يقول الراوي سمعت وهو أصم أو رأيت وهو ضرير، وهذا الأمر ينطبق على أخبار الآحاد التي رواها عدد قليل من الناس، أما الأخبار المتواترة التي ترويها الجماعات فلا يُقبَل عقلًا الشك في صحتها.
ومعلوم بداهةً أن الخبر إذا تعلَّق بما هو مقدس وارتبط بالشأن العام في جماعة فإن عنايتهم بحفظه وتناقله تكون شديدة، وإن كان صادرًا عن شخص ذي شأن فعنايتهم أشد وأعظم، وليس ثمة كلام بشري تنطبق عليه تلك الأوصاف أكثر من كلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، وما أكثر الروايات عن بالغ اهتمام الصحابة (رضوان الله عليهم) بالعناية والتثبت في حفظ السنة النبوية، وقد رحل أبو أيوب من المدينة إلى مصر ليتأكَّد من حديث واحد سمعه من النبي، وسار جابر بن عبد الله مسيرة شهر من أجل حديث واحد لم يبقَ أحدٌ يحفظه غير عبد الله بن أُنيس، واستمرت هذه العناية في الأجيال اللاحقة للصحابة، فعن سعيد بن المسيب قال: “كنت أسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الأيام والليالي”… وقد أقر بذلك المستشرق جولد زيهر رغم محاربته بالسنة فقال: “إن الرحالة الذين يقولون إنهم طافوا الشرق والغرب ليسوا مُبعِدين ولا مغالين”.
الفكرة من كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
السنة النبوية هي جملة الأخبار المروية عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) ونُقِلت إلينا مباشرة أو بواسطة، وكان الغمز فيها والتشكيك في موثوقية مصادرها محصورًا في أبحاث المستشرقين وذيولهم ممن تأثروا بكتبهم، ولكن صارت موجة التشكيك في السنوات الأخيرة ذائعة وتلقى آذانًا صاغية نتيجة الابتعاد عن منابع الشريعة الأصلية ومظاهر التفلُّت من أحكامها بضغط الثقافة السائدة مع تفشي الجهل بالأسس والمنهجيات التي دُوِّنت بها السنة ونقلت.
وفي هذا الكتاب يوضح المؤلف الأدلة العقلية على ثبوت الأحاديث النبوية وصحة نسبتها إليه منذ خرجت من فمه الشريف (صلى الله عليه وسلم) مروروًا بعمليات التدوين والنقل والرواية والجمع حتى وصلت إلينا في دواوينها المعروفة، بما ينفي الريب عن المُشكِّك ويزيد إيمان المتيقِّن.
مؤلف كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
وُلد الشيخ محمد بن خليفة الرباح في العاصمة الليبية طرابلس عام ١٩٧٤، وبدأ دراسته في مدرسة “النور القرآنية” حتى ختم القرآن الكريم، وكان له اهتمام بمؤلفات الشيخ الألباني، ثم هاجر عام ١٩٩٠ إلى سوريا والأردن والسعودية، فدرس على يد عدد من العلماء، من أمثال: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكتاب “إرشاد طلاب الحقائق” للنووي، وأخذ شرح كتاب “الباعث الحثيث” على يد الشيخ محمد عيد الدمشقي، كما لازم مجالس الشيخ ابن باز خلال مواسم الحج، وأخذ العلم الشرعي على كثير غير هؤلاء، وله مؤلفات ومحاضرات في العقيدة والفقه والسير وتحقيق الأخبار، ومنها: “التفويض في الصفات الإلهية بين أقوال السلف ودعاوى الخلف”، و”موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تارك الصلاة”.