في الكلام على الأمير وجنده المحاربين
في الكلام على الأمير وجنده المحاربين
العدل أساس الملك ولكن لا بدَّ للعدل من قوة تحميه، لذلك ينبغي على الحاكم أن يحفظ ملكه بالعدل والقوة، فيتمثَّل العدل في القوانين التي تحفظ على الرعية حقوقهم، وأما القوة فتتمثَّل في الجنود التابعين له وحراس مملكته، لكن ليحذر الأمير كل الحذر من أن يؤسِّس إمارته وحكمه على أكتاف جنود مأجورين أو مرتزقة يدافعون عنه ويستعيض بهم عن أبناء مملكته فيكون بذلك كمن بنى قصرًا من الرمال، فهؤلاء المرتزقة غير مأموني الجانب لا سلمًا ولا حربًا، فهم رهن أجرتهم، لذا فهم عرضة لاستمالة نفوسهم من قِبل الأعداء طالما وافق ذلك مصلحتهم، فلا أمان ولا أمانة لهم، فإذا انقلب الأمر ودارت الدائرة عليهم باعوا أميرهم ليستبقوا أنفسهم.
بخلاف الأمير الذي يُسلِّح إمارته بجند من رعيته، فهذا إلى البقاء أقرب لأن الأمير إن كان محبوبًا بذلوا في سبيله الغالي والنفيس، ومما يسهم في زيادة ارتباط الأمير بجنده المحاربين هو شغله الشاغل بمسائل الحرب وأساليبها لا سيما وقت السلم، فهي صنعته ولواؤه الذي يحفظ عليه ملكه، وبهذا يكسب احترام جنده ويأمن جانبهم، فالأمير القوي أدعى إلى فرض سلطانه في فؤاد جنوده.
لذا فعلى الأمير أن يتبحَّر في فنون المعارك وإدارتها ويُحصِّل ما تصل إليه يده من علوم متعلِّقة بها من دراسة سير القادة وأبرز الملاحم واستنباط أسباب النصر ودواعي الهزيمة فيكون بذلك على بينة من أمره ولا يكرِّر خطأ سلفه، ففي التاريخ عِبَر، كما عليه أن يوقظ جنده ليكونوا على الاستعداد دائمًا مما يشكِّل رادعًا لمن تسوِّل له نفسه النيل من البلاد، فلا يكفُّ عن المناورات واستكشاف الثغور ودراسة طبيعة الأرض وطرق الإمدادات وخطط الهجوم والانسحاب.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.