فشل التوفيق بين الفلسفة والدين.. وظهور التصوُّف الفلسفي
فشل التوفيق بين الفلسفة والدين.. وظهور التصوُّف الفلسفي
حمل النحويون على عاتقهم نقض المنطق اليوناني الأرسطي الذي تبنَّاه الفيلسوف ابن سينا، فقد وصف أبو سعيد السيرافي المعتزلي النحوي الجانب الصحيح من علم المنطق بأنه “نحو” اللغة اليونانية، كما أن “علم النحو” منطق اللغة الغربية، بينما كان الهجوم الأبرز على الفلسفة اليونانية من جانب المتكلم العظيم أبو حامد الغزالي في كتابين، الأول “تهافت الفلاسفة”، حيث أثبت فيه أن هناك ثلاث مسائل يقول الفلاسفة إنها تخالف الإسلام مخالفة تامة، وهي قولهم بقدم العالم، ما يعني أن الله لم يخلقه، وإنكار بعث الأجساد، فينفون بذلك الثواب والعقاب، وحصرهم علم الله في الكليات دون الجزئيات، فينفون بذلك العناية الإلهية؛ والكتاب الثاني “المنقذ من الضلال” الذي بيَّن فيه أن الدقة واليقين اللذين يقولون بهما لا ينبغي أن يتعديا إلى الغيبيات، وحاول الفيلسوف ابن رشد أن يرد على الغزالي وينصر مذهب الفلاسفة في كتابه “تهافت التهافت”، لكن لم يكن ردُّه مقعنًا لمتكلمي أهل السنة الأشاعرة.
ويرى جون أن حقيقة تلك الاعتراضات راجعة إلى فلسفة الفارابي التي تجعل من الدين جزءًا من الفلسفة السياسية وتبعًا لها، ما يعني الإنكار لعلو الدين وتعاليه، وكذلك تصورها للنبي بوصفه فيلسوفًا، وهو وصف غير مقبول عقلًا، كما أنه لا يعطي النبي حق قدره، إلى جانب كونه وصفًا محالًا تاريخيًّا وكلاميًّا، إلى جانب دعوتهم لفهم القرآن في ضوء الدليل الفلسفي فقط، وهو ما لا يوفي القرآن قدره ومكانته المقدسة، وشيعت الفلسفة الفارابية إلى مثواها الأخير بموت ابن رشد، بسبب عدم إنصافها للرؤية الإسلامية التي تقوم على الله والدين والوحي، ولم تقدرها حق قدرها.
مثَّل ابن رشد ماضي الفلسفة الإسلامية المتمثلة في فلسفة الفارابي، بينما ظهر في فترة شيخوخته اثنان من أعلام التصوف، وهما: السهروردي، وابن عربي، ليمثِّلا مستقبل الفلسفة الإسلامية، فقد أعطى هذا التيار الصوفي الفلسفي مباحث النفس والميتافيزيقا وجودها الدائم في العالم الإسلام حتى الوقت الحاضر.
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.