فتِّش عن راحتك
فتِّش عن راحتك
“لا تحاول العثور على طريقة من أجل أن تكون سعيدًا، فقط غيِّر موقفك، فلا يمكنك أن تكون سعيدًا مع ذهن جاد، تستطيع أن تكون سعيدًا مع ذهن مبتهج”.
بناء على هذا الوصف يوصينا الكاتب بالابتعاد عن الجدية المفرطة، بل تعامل مع الحياة كأنها مسرحية تشاهد أحداثها وتشارك أفرادها بعض اللقطات، تأخذ ما فيها ببساطة وتسلِّط تركيزك تجاه ما يستحق، وذلك بطرق عدة منها: “تمرين التوقف”، وفيه تتوقَّف فجأة دون أي حركة لمدة نصف دقيقة لتكون حاضرًا مع ما يجري، ويعد هذا التمرين هو التأمل الأقصر في العالم، وينصح بتكراره ست مرات يوميًّا على الأقل، لأنه يوقف الذهن عن خلق الأفكار بشكل مفاجئ وسيستغرق وقتًا قبل أن يدرك ذلك ويستدرك صناعة أفكار جديدة تشتِّتك.
ومن منا لا يستطيع التبسم؟ ندرك أنها عملية بسيطة تشيع الود اجتماعيًّا لكن تأثيرها فعليًّا مهم لك قبل غيرك ويضفي على دنياك رضا ولينًا ييسران لك ما تمر به، فاستشعِر تلك العملية بكل جوارحك وكرِّرها متى شئت، حتى يطغى أثرها عليك، ثم تعلم ألا تكون رافضًا بشكل دائم، لأنه سلوك يعزِّز الأنا المزيفة، ويشعرك بأن قول “أجل” فيه إذعان وهزيمة، لذا احرص على المبادرة بالتأييد والترحيب الإيجابي حتى إن استصعبته أول الأمر، واخلق علاقة محبة تربطك بكل ما يحيط بك، ولا تفعل إلا ما تجد فيه استمتاعًا يعينك على إكمال ما تفعل، فإن كنت في محادثة مثلًا ووجدت نفسك لا تستمتع بالحديث ولا رغبة لك بإكماله فتوقَّف على الفور ولا تستمر في نقاش لست مجبرًا عليه.
“تنفَّس من بطنك”، على غرابة تلك الجملة فإن الكاتب يعدُّها الطريقة المثلى للتنفس الصحيح، وقد استدل على ذلك بمراقبته لتنفُّس الأطفال الذين يتنفسون عميقًا من بطونهم، بينما التنفس من الصدر فهو تنفس سريع لا يستخدم إلا للضرورة الطارئة كأن تكون في مضمار تسابق أو يطاردك حيوان مفترس، فإن اعتمدت تلك الطريقة دائمًا ستصاب بضغط وخوف مستمرين، يتولَّد على أثرهما جنون الارتياب لأنك ببساطة هيَّأت جسدك ليتخذ وضع الاستعداد الدائم لمواجهة الخطر.
الفكرة من كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
في مطلع الكتاب يقول جون أندروز الطبيب الشخصي لأوشو والذي رافقه حتى مماته:
“لقد أظهرت التجارب الأخرى أنك إذا تصنَّعت وجهًا تعلوه علامات الأسى لمدة ثلاثة أيام، تستطيع أن تجعل نفسك مكتئبًا تمامًا، إننا في جوهرنا ظاهرة خلق ذاتي”.
بينما تمضي الحياة تستمر عقولنا بالتشكُّل، وتتراكم فينا أحداث ومعتقدات تعيد تهيئتنا تدريجيًّا في كل الجوانب دون أن نلمحها، ولا يمر الوقت حتى نرى آثارًا سلبية نعتبرها مجهولة المصدر، لا نلبث أن نلوم عليها آباءنا أو مجتمعاتنا أو نلقيها على حادثة أليمة واجهتنا سابقًا، والحقيقة أن ما فعلناه هو التنصُّل من مسؤوليتنا تجاه عالمنا الداخلي، الذي انصرفنا عنه مركِّزين اهتمامنا على الأحداث الخارجية فقط، متناسين أننا نتاج أنفسنا، نبرمج دماغنا على افتراضات واستنتاجات فنتعايش معها ونبرهن على صحتها دون إدراك منا بحماقة ما نفعل، لذا جرت الكثير من الأبحاث في هذا السياق النفسي، وخلص الكثير منها إلى جدوى التأمل كحل علاجي حتى للوسواس القهري، فالتأمل نشاط تنساب الروح فيه متحررة عن حدود الجسد والمكان، لتستغرق في مراقبة الأمور ووضعها في مكانها المناسب، وهدف الكتاب هنا هو استعراض تصرفاتنا السلبية وكل ما ينغِّص صفو نفوسنا، للتعامل مع داخلنا والتحكم فيما نواجهه بعقلانية تضع الأمور في موضعها الصحيح للوصول إلى السلام النفسي بطرق بسيطة يسهل اتباعها.
مؤلف كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
أوشو : فيلسوف هندي من مواليد عام 1931، اتخذ لنفسه عددًا من الأسماء المختلفة خلال حياته و”أوشو” هو الاسم البوذي الذي اعتمده منذ عام 1980، درس الفلسفة في الجامعة ثم التحق بالعمل فيها كمدرس عام 1957 بعد حصوله على الماجستير، خلال الستينيات تفرغ للتعليم الروحي وابتكر منهجًا يعتمد على التصوف والتقشُّف والتأمُّل والبحث عن الذات والحرية الجنسية في آن واحد، فاتبع فلسفته الكثيرون الذين تجمهروا حوله وجاؤوه من كل مكان، فضيَّقت السلطات الهندية النطاق عليه بمحاولة طعنه ومطالبته بالضرائب ثم منعت الناس من التوافد إليه، فارتحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليؤسِّس مجتمعًا خاصًّا مع أتباعه، لكن تصرُّفاتهم استفزَّت بلدية مدينة أوريجون، فوجَّهت إليه تهمًا كثيرة قضت بترحيله، ورفضت إحدى وعشرون دولة استقباله، فعاد إلى الهند وتوفي هناك عام 1990.
من أعماله:
التسامح.. رؤية جديدة تزهر الحياة.
الشجاعة.
معلومات عن المترجمين:
الدكتور محمد ياسر حسكي: مترجم وكاتب سوري الجنسية، درس في كلية الطاقة جامعة إركوتسك التقنية، وحاصل على الدكتوراه في الهندسة، كما أنه عضو الأكاديمية الدولية للسوجوك في الهند وعضو الأكاديمية الروسية للسوجوك، ومؤسس مدرسة الريكي: طاقة النور، له من المؤلفات كتاب: “الحب رواية عن التعلقات” بالاشتراك مع الكاتبة لينا مصطفى الزيبق، أما في الترجمة فله من الأعمال: “المركب الفارغ، لقاءات مع اللاشيء”، و”الدماغ الخارق”، وكتاب “أنا والرومي: السيرة الذاتية بقلم شمس الدين التبريزي” بالاشتراك مع المترجمة منال الخطيب وتحقيق: كارمن الشرباصي.
كارمن الشرباصي: شاركت الدكتور محمد ياسر حسكي في ترجمة عدد من الأعمال منها: “عملية الحضور: رحلة إلى داخل إدراك اللحظة الحالية”، و”التحول التانتري”، وكتاب “اللطف وآثاره الجانبية الخمسة”.