عودة المشاعر
عودة المشاعر
استيقظت المشاعر وانطلقت الرومانسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، لكن المستجدَّات الآنية حينها لم تُعط حصَّة كافية من الأحداث الدرامية، فاستلزم ذلك بضرورة الأحداث أن تحل محلها الثقافة التنشيطية المتمثلة في السينما والقصص الخيالية والصور المركبة وغيرها، كي تُصبح المشاعر بذلك أداة للتسويق يستغلها المتحكمون فينا من أجل التأثير بنا، وكان من الواضح أن الإشكالية هنا ليست في العودة إلى المشاعر بحد ذاتها، وإنما في كون الإنسان المعاصر يهتم بالمشاعر التي تتميز بالانفعالية أكثر من الأحاسيس التي لها طابع دائم، فيهتم بالسطحيات المبتذلة ويُهمل المشاعر التي تُثري روحه.
وإذا تأملنا في عودة المشاعر في عصرنا الحالي نُلاحظ كيف صارت المشاعر أداة إشهارية، حيث إن المشاعر تشجِّع على البيع، فالعودة إلى المشاعر تُشكِّل ثورة يمكن الاستفادة منها وفي نفس الوقت تمثِّل خطرًا يجب الاحتراز منه، فهي ثورة لأنها تخفف حدة العقلانية المبالغ فيها والتي تربط بالعصر الحالي، كما أنها تقلل من ضغوطات التكنولوجيا والتقنية المرتبطة بالحضارة، أما عن الخطر المرتبط بالمشاعر فهو خطر الأُحادية، أي الاهتمام بالجانب الأحادي منها.
ويهتم الإنسان المعاصر بالمشاعر الانفعالية أكثر من اهتمامه بالمشاعر الدائمة، فهو يُفضل مشاعر الصدمة على مشاعر التأمل؛ فحياته العاطفية صارت قائمة على الحركية الانفعالية لا على الخشوع والسكون، وتضخيم المشاعر المرفق بإساءة استعمالها يُشير إلى المعضلة الحقيقية في قضية المشاعر، وهي أن الإنسان لم يستخدمها كمهرب أو بديل فحسب، وإنما صارت هي مركز اهتماماته، كنموذج للحياة الكاملة وعبادة النفس، فالرجوع إلى المشاعر هو تعبير عن النزعة الفردية المعاصرة. ويبدو أن التيارات الاجتماعية في كل عصر هي نوع من التطلُّع إلى تجديد الحياة الشعورية في ذلك العصر، لأنها تعبِّر عن الحاجة إلى الاهتمام بالناحية العاطفية في حياة الإنسان بهذا العالم.
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.