عوالم جديدة وعوالم قديمة
عوالم جديدة وعوالم قديمة
الإنجاز البشري عملية تراكمية، فكل من يأتي يعتمد على ما سبقه في إضافة لبنة أخرى إلى هذا الصرح البشري، وعلى ذلك فالنهضة العلمية الماثلة أمامنا اليوم إنما قامت على جذور ودعامات تمتد إلى حقبة القرون الوسطى، فالإنسان لا يرفض الاستفادة من ماضيه بالكلية وإن كان أيضًا لا يقبله بحذافيره، وإنما ينتخب منه ما يلائم عصره، وربما أجرى عليه تعديلًا ليناسب العصور المتغيِّرة، وبهذه الفكرة قامت التطوُّرات الهائلة اليوم في شتي الميادين العلمية والتكنولوجية والفكرية، بل حتى الاقتصادية والاجتماعية أيضًا، وتمت إعادة تشكيل العالم وفقًا لظروف ومتطلَّبات كل عصر على حدة.
ونحن إذا أردنا تحليل كيفية الانتقال من حقبة القرون الوسطى (العالم القديم) إلى حقبة عصر النهضة العلمية (العالم الجديد)، نجد أن ثمة أحداثًا سرَّعت من وتيرة هذا التحوُّل، وربما كانت بمثابة القاطرة لعملية الانتقال تلك، لعل أولها ظهور الحركات الإنسانية المتمثِّلة في تيارات فكرية مترابطة أخذت على عاتقها مهمَّة تجديد العلوم والفنون من خلال المحاكاة لتراث الحضارات القديمة وإعادة بعثه من جديد خصوصًا حضارة الإغريق والرومان، ثم كان اختراع الطباعة بعد ذلك هو الحدث الثاني الأهم في مسيرة الانتقال البشري، حيث مهَّدت لانتشار أهم وسائل العلم والثقافة ألا وهو الكتاب، بالإضافة إلى النشرات الإعلانية والرسائل الإخبارية وبعض الدوريات والمطبوعات الورقية الأخرى.
ومع ظهور نوع ما من الاتصال بين شعوب الأرض عن طريق تعدُّد الرحلات الاستكشافية، برزت على السطح أسئلة وجودية تعلَّقت بالبحث اللاهوتي والنفوذ الكنسي ومدى عقلانية التعاليم الدينية ومواءمتها الحياة العصرية، مما سبَّب تصدُّعات كبيرة زعزعت الإيمان المسيحي بأكمله فأدَّت في النهاية إلى قيام حركة الإصلاح الديني بزعامة القس وأستاذ اللاهوت “مارتن لوثر” التي كانت من أهم الأسباب التي مهَّدت لسطوع فجر العالم الجديد.
الفكرة من كتاب الثورة العلمية: مقدِّمة قصيرة جدًّا
لعلَّنا مدينون اليوم للتقدُّم العلمي في شتى ميادين الحياة المختلفة، حيث أصبحت المعرفة العلمية مكوِّنًا أساسيًّا في كثيرٍ من المنتجات الصناعية اليوم، ولكن تلك الثورة العلمية لم تحدث هكذا اتفاقًا! وإنما مرَّت بالعديد من المحطات المهمة التي تراكمت فيها شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم، لذلك كان هذا الكتاب مرجعًا سهلًا للولوج إلى المحطات المختلفة للثورة العلمية، وصولًا إلى نشأة المجتمعات العلمية اليوم.
مؤلف كتاب الثورة العلمية: مقدِّمة قصيرة جدًّا
لورنس إم برينسيبيه Lawrence M. Principe: أستاذ علم الإنسانيات وكاتب أمريكي، وُلِدَ في الـ16 من مايو (أيار) عام 1962، حصل على درجتي بكالوريوس في جامعة ديلاوير (بكالوريوس دراسات ليبرالية، 1983؛ بكالوريوس في الكيمياء، 1983)، وعمل عقب تخرُّجه على مشاريع علمية في جامعة إنديانا (دكتوراه كيمياء عضوية، 1988)، وفي جامعة جونز هوبكنز (دكتوراه تاريخ العلم، 1996)، وهو الآن أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة جونز هوبكينز في قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا وقسم الكيمياء، ومدير مركز تشارلز سينجلتون لدراسة أوروبا الحديثة، وهو مركز متعدِّد التخصصات للأبحاث في جامعة جونز هوبكينز.
من مؤلفاته: “أسرار الكيمياء”، و”روايات جديدة في كيمياء القرن الثامن عشر”، و”الخبير الطموح: روبرت بويل وسعيه الكيميائي”.