“عليّ وإلا ما بكاء الغمائم؟”.. زمن الطواويس
“عليّ وإلا ما بكاء الغمائم؟”.. زمن الطواويس
ذكرنا طموح ابن عمار ورغبته المبطنة في السلطة والسيادة، ولما كان وزير المعتمد وموضع ثقته ووسيطه مع ألفونسو، خال إلى ابن عمار أنه رجل الأندلس الوحيد، ولا نجاة للمعتمد من دونه، ومن هنا بدأ يبني لنفسه، ويخطط للاستقلال بمرسية، ووصلت إلى المعتمد أخبار هذا التدبير، لكنه رفض التصريح، وآثر الإبقاء على حسن الظن بصديقه، حتى اتضح من تصرفات ابن عمار وتلكُّئه عن أوامره ما لا يسعه حسن الظن، بل انعدم حسن الظن هذا، حين رد ابن عمار على عتاب المعتمد وتذكيره برعايته له بقصيدة فاحشة، سب فيها المعتمد وزوجه، واندثرت آثار هذه الصداقة من قلب المعتمد، وسيدرك ابن عمار فداحة ما خسر، عندما يتوسل لحياته عند المعتمد ولا يجد لدموعه صدى.
كان الفاتحون الأوائل قد ضموا معظم إسبانيا إلى سيادة الخلافة، وتوقفوا عند جبال البرانس، وظنوا أنهم قد دحروا قوات القوط وأخضعوا شبه الجزيرة، فتوجهت الجيوش الإسلامية إلى الجنوب الفرنسي، تاركة في ظهرها عدوًّا لن يظل خاملًا لفترة طويلة، وقد تجمعت تلك الأشتات التي فرت من جيوش المسلمين في منطقة قاحلة، تحت قيادة رجل يسمى بلاي، وهو مؤسس حركة المقاومة والاسترداد النصرانية، وسرعان ما تكونت من هذه القلة دويلة على أطراف الأندلس، وتبعتها دويلات مسيحية أخرى في الجبال المتربصة بأراضي المسلمين، ومع سقوط الدولة الأموية وإغفال ملوك الطوائف الخطر المحدق بهم، صعدت هذه الدويلات تحت قيادة الملك فرديناند، لتصبح القوة العظمى في إسبانيا،
وكان أول ملك يتوجه إلى الأندلس الإسلامية، ويتوسع على حسابها، وهو الذي توسل له المعتضد ليترك إشبيلية وحالها، ومنذ عهده وملوك الطوائف يتوجهون بجزيتهم السنوية ناحية قشتالة، لم يكن يليق بملوك عصر الطوائف ملك شريف في سلمه وحربه كفرديناند، يكتفي منهم بالجزية والعهود، فجاءهم وريثه ألفونسو، مطبوعًا بصفات زمنهم، جشعًا غادرًا، لا يعدهم إلا غرورًا
الفكرة من كتاب المعتمد بن عباد
اشتهر المعتمد بن عباد بين ملوك الطوائف بمغامراته في الأندلس، وطرائفه مع زوجته الرميكية، وكان واحدًا من ملوك العرب المعدودين الذين برعوا في الشعر، فكانت أتفه الحوادث والمناظر تثير نفسه، وتسعفه قريحته في كل مرة، حتى ليمكننا تتبع سيرته من خلال قصائده، فقد كانت مستودعًا لجميع آماله وأحزانه. عاش المعتمد في عصر حاوط دولته فيه العدو والصديق، وتقاذفته السياسة بينهما، يوالي أحدهما على الآخر، بحسب ما يقتضي الحال، حتى أهلكته هذه الطريقة، فكانت مأساته جديرة بختام أسرة الملوك الشعراء.
مؤلف كتاب المعتمد بن عباد
علي أدهم: أديب وباحث، وُلد بالإسكندرية عام 1897 م، وتوقفت دراسته عند شهادة البكالوريا، عمل في وزارة المعارف، ورأس مكتب وزيرها، طه حسين، كما عمل أيضًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر، تنوعت مؤلفاته بين الدراسات الفلسفية والأدبية والتاريخية، ومن أهمها:
صقر قريش.
بين الفلسفة والأدب.
تلاقي الأكفاء.
الجمعيات السرية.