صناعة الجوع
صناعة الجوع
تعدُّ الأزمات هي وقود الرأسمالية المعاصرة فهي تعمل على خلق الأزمة والاستثمار فيها من أجل كسب المزيد من الأرباح، من هنا برزت فكرة أساسية لدى الرأسماليين الكبار أن كل شيء له ثمن، ويمكن الاستثمار فيه حتى أبسط الحقوق الآدمية من الأمن والدواء، فمافيا السلاح يستثمرون في إشعال نيران الحروب، ومافيا الدواء ينشرون الأوبئة والأمراض، أما مافيا صناعة الغذاء فاستثمارهم في الجوع، ففي الوقت الذي تنتج الأرض ما يكفي لإطعام ساكنيها أو أكثر، يوجد نصف مليار جائع!
وبالأرقام يتضح أن هناك ما يقرب من 3% تقريبًا من سكان العالم يتحكَّمون فيما يقرب من 77% من مساحة الأراضي الزراعية، فضلًا عن أن هناك اتجاهًا قويًّا من قِبل شركات الغذاء لتقييد عرض الغذاء في الأسواق عبر تحديد مساحة ما يزرع من الأراضي، والتي لا تتجاوز الـ44% من الأراضي الصالحة، من هنا يمكن القول إننا لسنا أمام أزمة غذاء، وإنما العكس هو الصحيح، فنحن بصدد وفرة في الغذاء، ولكن هناك من لا يروقه أن يشبع العالم فيفتعل الأزمات ويتخلَّص من فوائض الغذاء التي تم إنتاجها لكي يحافظ على مستويات الأسعار من الانخفاض، لا سيما مع تنامي موجة الاحتكار الذي تميَّز بها العالم الرأسمالي اليوم.
ولا نغفل الآثار السيئة الناتجة عن تطبيق الأساليب الحديثة في الزراعة والاعتماد على البذور المهجنة وراثيًّا، وكذلك الاستخدام المتزايد للمبيدات والأسمدة الكيماوية، مما يؤدي إلى الإجهاد المستمر للتربة وضعف مقاومتها الطبيعية للأمراض والحشرات ومشكلات أخرى لم ينتبه إليها العالم، إلا بعدما أفاق على الادعاءات الكاذبة للشركات الكبرى جراء وقوع أزمة الغذاء، فالعالم لا يعيش أزمة ندرة في الغذاء، ولكن بالأحرى يعيش أزمة ارتفاع أسعار ووضع العراقيل أمام الشعوب لتحقيق أمنها الغذائي ولو بالطرق البدائية، فحتى وإن أدَّت التكنولوجيا الزراعية إلى زيادة الكعكة الغذائية فإن مهمة تقسيمها ما زالت بيد الشركات الكبرى للغذاء، فهي تنقل الغذاء من مكان إلى آخر بحثًا عن الربح عبر آلية الأسعار، فبدا الأمر وكأنه مسرحية هزلية تتم فيها محاربة الجوعى عوضًا عن محاربة الجوع!
الفكرة من كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
يعاني اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة الجوعَ وسوء التغذية، إلا أن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام سكان الكوكب كافة، فما المشكلة إذًا؟!
يناقش هذا الكتاب قضية الأمن الغذائي وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في صناعة الجوع القائمة على أشدها، كما يتطرق إلى نضال الدول والشعوب في الحصول على حقها في الغذاء وصراعها مع أطماع مافيا الغذاء وسياسات المؤسسات الدولية الكبرى، التي تتعمد وأد كل محاولة من شأنها أن تمنح الدول النامية حقها في الاستقلال الغذائي حتى لا تخرج بذلك عن فلك التبعية.
مؤلف كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
والدن بيللو Walden Bello: ولد في 11 نوفمبر 1945 في الفلبين، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل أستاذًا في مجاله بجامعة الفلبين، كما أنه مؤسس معهد دراسات جنوب العالم وعضو اللجنة الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، واختارته الجمعية الدولية للدراسات أبرز علماء الاجتماع في العالم 2008م.
له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة الغذاء، والأزمة المالية، ورؤية نقدية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.