صراع الأضداد وتحوُّل الكم إلى كيف
صراع الأضداد وتحوُّل الكم إلى كيف
تقوم المادية الديالكتيكية على ثلاثة قوانين، أولها قانون “وحدة الأضداد وصراعها”، ومقتضاه أن الأضداد توجد في وحدة ذاتية ضمن المادة وأجزائها، وتتصارع فيما بينها على نحوٍ يجعلها تتطور من كيفية بسيطة إلى أخرى معقدة إلى ثالثة أغنى وأكثر تعقيدًا، ويضرب الماركسيون مثالًا على ذلك “بالحركة”، فيقول لينين: إذا كان الجسم في محل ثم ذهب إلى محل آخر، فهو في أثناء حركته لم يعد في المحل الأول، ولم يصل إلى المحل الثاني بعد، وبالتالي فهو في أحدهما بلا حركة، لأننا إذا قلنا إنه في الوسط لم نقل شيئًا، وبذلك يكون هناك تضاد في مكان واحد وزمان واحد.
وينقض البوطي قولهم ذلك، بأن الجسم قد أصبح مباشرةً في المحل الثاني بمجرد أن زُحزِحَ عن الأول لأن قولنا الأول والثاني والثالث، ليس معناه أن كل منها وحدات ذاتية منفصلة تم وضعها جنبًا إلى جنب، وتم وصلها بمداد، بل معنى قولنا الأول والثاني والثالث هو توزيع اعتباري فقط.
والقانون الثاني للديالكتيك هو “تحوُّل الكم إلى كيف”، ومقتضاه أن تراكم الكميات يؤدي إلى “قفزة” ينتج عنها ظهور كيفية جديدة للشيء، فعندما تتزايد درجة حرارة الماء إلى المائة، تحدث قفزة مفاجئة، هي التبخُّر، فتراكم كميات من درجات الحرارة حوَّلت الماء إلى كيفية جديدة، ونقض هذا القانون، بأن الذي أوجد القفزة -وفي مثالهم التبخر- هو غليان الماء الذي هو سبب جديد ظهر بعد أن لم يكن، وليس الكم المتراكم من مجموع درجات الحرارة، لأن تعداد درجات الحرارة من واحد إلى مائة ليس إلا مقياسًا اعتباريًّا نضبط به الكيفيات المتدرجة.
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.