راسل مفتشًا بين البدو والصعيد
راسل مفتشًا بين البدو والصعيد
تم تعيين توماس راسل مفتشًا للداخلية، وقد لاحظ مدى انتشار قضايا السرقة والقتل، كما كانت يسود القانون البدوي بين قبائل البدو العرب دون خضوع للقوانين الدستورية للحكومة، وقد كانت هناك مشكلات بين الفلاحين والبدو، إذ تعرَّض الفلاحون لسرقة ماشيتهم من قِبَل البدو، وقد كوَّن راسل فرق شرطة محمولة على جمال وقام بتدريبها في أسيوط، كما استعان بقصَّاصي الأثر الذين جلبهم من السودان خصيصًا لعدم ثقته بالأعراب، وفي أكتوبر عام 1907م، تمكَّن من محاصرة اللصوص الأعراب، لكنه فوجئ بأمر غريب، وهو أن أهل القرية قد حضروا لحماية الأعراب المقبوض عليهم، بل وجمعوا مبلغًا من المال لتكليف محامٍ لهم، رغم أنهم كانوا يسرقون ماشيتهم ويقتلونهم، وانزعج توماس من ذلك واصفًا القرية بأنها جبانة.
انتقل راسل بعد ذلك إلى قنا عام 1908م، وهناك وقع عداء بين قبيلتي المعزة والعبابدة مع تواصل الثأر والقتل، وقد دعا كلتا القبيلتين إلى جلسة تحكيم العادت البدوية لعلمه بقانون الصحراء، وقد انبهر من أفكارهم واحترامهم لكلماتهم ووعودهم بشكل يفوق المحاكم التقليدية، وبالفعل نجح توماس بعد جلسة طويلة استغرقت اليوم كله، في التوصل إلى اتفاق بينهما وتمَّت تلاوة آيات من القرآن الكريم وكتابة الوثيقة، ولقد رأى توماس في العرب شجاعة ودهاء، حتى أنه كان لديه أصدقاء مقربون منهم مثل الشيخ سليم، زعيم قبيلة المطير العربية.
كما أشار الكاتب إلى أن الشرطة المصرية كانت تعاني من مشكلة عدم تجربة أساليب حديثة للتحكُّم في الجريمة والتحقيقات حتى سنة 1936م، وذلك في الوقت الذي استطاعت فيه الشرطة الفلسطينية مثلًا تدريب كلاب الشرطة من نوع “دوبرمان” المجلوبة من جنوب أفريقيا، لكن تمكَّنت الشرطة المصرية من إنشاء بيت للكلاب وتدريب رجال الشرطة على التعامل معها وترويضها، وذكر الكاتب كلبًا يدعى “هول”، والذي كان مميزًا للغاية، إذ شارك في نحو 170 قضية وجريمة، نجح في الكشف عن معظمها.
الفكرة من كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
في عام 1902م، بدأ توماس راسل حياته في مصر بالعمل لدى وزارة الداخلية أثناء الاحتلال البريطاني، وما هي إلا أعوام قليلة حتى استطاع أن يتولَّى منصب حكمدار القاهرة، وهي مكانة مهمة تجعله على رأس شرطة العاصمة، إلا إنه كان مختلفًا بعض الشيء عما عرفه المصريون من الإنجليز، فقد أحدث تطوُّرات واسعة في وقت عانت فيه مصر من الجريمة وانتشار المخدرات التي أهلكت نصف سكانها آنذاك.
ولعلَّ ما يميِّز هذا الكتاب هو سرده الصريح لفترة ندر الحديث عنها في سجلات التاريخ، والتي تتطرَّق إلى أحوال مصر في بداية القرن العشرين، والتي يسردها أخطر وأدهى رجال البوليس الإنجليز آنذاك، ومؤسس أول مكتب لمكافحة المخدرات في مصر، توماس راسل.
مؤلف كتاب النسخة النادرة من مذكرات توماس راسل.. حكمدار القاهرة 1902/ 1946
توماس وينتورث راسل: (1879-1954) هو ضابط شرطة إنجليزي خَدَم في مصر أثناء فترة الاستعمار الإنجليزي، وقد درس العلوم الإنسانية في جامعة كامبريدج، ثم اتجه إلى العمل بوزارة الداخلية المصرية بعد أن استقر وعاش معظم حياته في مصر، وتولَّى منصب حكمدار القاهرة برتبة فريق أول، وهو أعلى منصب أمني بالعاصمة، ويُذكر لراسل أساليبه الجديدة التي أدخلها في الشرطة المصرية، ونجاحه في مكافحة المخدِّرات التي كانت قد وصلت ذروتها خلال أواخر العشرينيات.
معلومات عن المترجم:
مصطفى عبيد: هو كاتب وصحفي وباحث تاريخي ومترجم مصري، تخرَّج في قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة، وقد عمل بالصحافة والتأليف والترجمة، ومن مؤلفاته كتاب “كتب هزَّت مصر”.