رأي الفلاسفة والمتكلمين في الوحي والدين
رأي الفلاسفة والمتكلمين في الوحي والدين
يقول المتكلمون: إن في التنزيل طريقين: أحدهما انخلاع النبي (ﷺ) من صورة البشرية إلى صورة الملكية ثم أخذه من الملك، وثانيها تمثل الملك بصورة البشرية حتى يأخذ الرسول منه، ويقرِّرون أن الحالة الأولى وهي الترقي من البشرية إلى الملكية ميسورة للرسول، ويؤيدون ذلك بما ورد من نزول جبريل في زمن صبا النبي ليطهر قلبه عن المادة التي تمنعه من الترقي، قال أنس: «إن رسول الله (ﷺ) أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشقَّ عن قلبه، فاستخرج منه علقة، وقال هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَه وأَعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون.
ولئن اختلفت الفلاسفة في أن الملائكة ماهيات مخالفة بالنوع للأرواح البشرية، فإنهم لم يختلفوا في أن النفوس الإنسانية مجردة في ذاتها عن المادة غير حالَّة فيها بل هي لا مكانية، وما الوحي عند الفلاسفة الإسلاميين إلا اتصال النفوس الناطقة البشرية بعقول الأفلاك ونفوسها، ذلك بأن النفس الإنسانية لديها استعداد لقبول المعقولات بالفعل، وكل ما خرج من القوة إلى الفعل فلا بد له من سبب يخرجه إلى الفعل، وذلك السبب يجب أن يكون موجودًا بالفعل، فلا يجوز أن يكون جسمًا لأن الجسم مركب من مادة وصورة، والمادة أمر بالقوة.
النبوة، كما يقول الغزالي في «المنقذ من الضلال»، طور تحصل فيه عين لها نور يظهر في نورها الغيب وأمور لا يدركها العقل، كما أن العقل طور من أطوار الآدمي تحصل فيه عين يبصر بها أنواعًا من المعقولات والحواس معزولةٌ عنها، والعلم الذي يحصل لا بطريق الاكتساب والتعلم وحيلة الدليل ينقسم: إلى ما لا يدري العبد أنه: كيف حصل له؟ ومن أين حصل؟ وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، والثاني يسمى وحيًا وتختص به الأنبياء، والأول يختصُّ به الأولياء والأصفياء.
الفكرة من كتاب الدين والوحي والإسلام
من المؤلم غاية الألم أن ترتكب الجرائم باسم الإسلام وباسم شريعته السمحاء نوافذ العمليات المدمرة مع صيحات التهليل والتكبير، ودعوى الجهاد والاسترشاد في سبيل الله، الأمر الذي استغله بعد ذلك الغرب والمستشرقون في تشويه صورة الإسلام، وتقديمه للعالم بحسبانه دينًا همجيًّا متعطشًا إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وأنه يحرِّض أبناءه وأتباعه على العنف والكراهية والأحقاد، وقد تصدَّى الأزهر الشريف لهذه الهجمات أشد تصدٍّ للبناء عن طريق الجمع بين الوحي والدين والإسلام.
مؤلف كتاب الدين والوحي والإسلام
الشيخ مصطفى عبد الرازق، ولد بمحافظة المنيا بمصر، تعلَّم القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر الشريف فيما بين العاشرة والحادية عشرة من عمره، له مؤلفات عدة منها: “فيلسوف العرب”، و”الإمام محمد عبده”، و”الإمام الشافعي”، و”تمهيد الفلسفة”.