حضارة بلاد فارس

حضارة بلاد فارس
تمتد إيران بين البحر القزويني والخليج الفارسي، ويحدُّها من الغرب سلسلة من الجبال تُعرف باسم (جبل طاغ)، تقيها من هجمات من يقصدها من جهات دجلة، فكأنها أسوار منيعة لها، وفي حدِّها الغربي مجارٍ كثيرة من المياه، لذلك كانت هذه البقاع عامرة بالحياة، أما الداخل ففيه رمال لا تصل إليها المياه، ولم يجازف الفاتحون الأوائل الآشوريون بالدخول إلى هذه البقعة، وفي هذه البلاد الكثير من موارد الثروة والرزق، وقد سكنها الفرس.

أما الماديون فإنهم من سلالة الآريين، وأصلهم من إقليم بلخ، وقد تحرَّكوا مع الفرس إلا أن الفرس تحرَّكوا ناحية الشرق، وتحرَّك الماديون ناحية الغرب، واحتلهم الآشوريون وأدوا الإتاوة لهم لتفرُّقهم إلى ممالك صغيرة ومتناحرة، ومؤسِّس المملكة المادية الحقيقية كياكسار، فقد رتَّب جيوشه على نمط الجيوش الآشورية المنتظمة، ففصل حاملو الحراب والرماة والخيالة كل فريق عن الآخر، وكانوا يقاتلون قبل ذلك مختلطين.
وديانة الماديين والفرس مأخوذة عن عبادة الأمم الآرية القديمة، كما توضح كتب الهند المقدسة، وجاء في خرافات العامة أنها من صنع رجل واحد وهو زرادُشت، وكان الإله الأكبر عند الإيرانيين (هرمز) الذي لم يكن له تمثال أو نصب أو محراب، بل كان له بيوت نار، وكانت احتفالات الديانة والعبادة بسيطة وقليلة العدد، وكانت الكهانة في بلاد ماداي، ثم في بلاد فارس، منحصرة في طبقة لا يدخلها غير أهلها، وهي طبقة المجوس التي صار لها نفوذ كبير.
وكان الواحد منهم يكفر عن ذنبه بالتوبة والعمل الصالح، لا بالقربان، وكانوا يتركون جثث موتاهم للطيور، وقد انتقل الفارسيون من الخمول والهمجية للمجد، فصار لهم ملك آسيا في وقت صغير، فوسَّعوا نطاق تمدُّنهم، وتخلَّقوا بأخلاق الأمم التي تغلَّبوا عليها، من آشوريين ومصريين ويونانيين، وأخذوا منهم كل ما لم يكن عندهم من فنون وآنية وآداب، وحروفًا استعاروها من الأقلام المسمارية المستعملة عند الأمم المتوطِّنة على سواحل الفرات ودجلة، وقد دمجوا كل ما استعاروا من الأمم المختلفة ووفقوا بينها توفيقًا لطيفًا.
الفكرة من كتاب تاريخ المشرق
المشرق مهدُ الحضارات وأصلها، شهد أقدم الثقافات في العالم، بدأ تاريخه مع بداية الاستيطان البشري، ونهضت عبره العديد من كبرى الإمبراطوريات والحضارات، بَدءًا من حضارة مصر الفرعونية، والحضارتين البابلية والآشورية اللتين قامتا على نهري دجلة والفرات، ومرورًا بالحضارة الفينيقية في سوريا، وحضارة بلاد فارس؛ فهذه الحضارات هي التي تختزل في أعماقها التاريخية العظمة الحضارية لبلاد المشرق.
يتحدَّث غاستون ماسبيرو في هذا الكتاب عن حضارات أربعٍ من الأمم القديمة، فيتناول الأماكن التي سكنوها، ويتحدث عن أصولهم وملوكهم، والإسهامات التي قدموها، والحروب التي دخلوها، ثم ديانتهم، وحِرَفهم وصناعتهم ولغتهم.
مؤلف كتاب تاريخ المشرق
غاستون ماسبيرو Gaston Maspero: عالِم آثار فرنسي من أشهر علماء المصريات، وُلِدَ في باريس عام ١٨٤٦م، وأحْرَزَ تفوُّقًا على أقرانه من علماء المصريات من خلال اطِّلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في مُتحف اللوفر، ونقوش المسلَّة المصرية بميدان «لاكونكورد»، وجذب باجتهاده في مجالَيِ الآثار والتاريخ أنظار العمالقة من علماء الكوليج دي فرانس، ومن ثَمَّ تطلَّعوا إلى تنصيبه على كرسي المصريات، ولكنَّ صِغَر سنه حال دون تحقُّق ذلك الأمر، فقرَّروا منحه لقب أستاذ مساعد لمدة يومين، ثمَّ نصَّبُوه بعدها على كرسي علم المصريات، وقد شغل منصب مدير مصلحة الآثار المصرية.
أعاد ترتيب المتحف المصري ببولاق، ونقل محتوياته إلى متحف القاهرة الحالي، واكتُشِفت في عهده مئات التماثيل، وتُوُفِّيَ عام ١٩١٦م، ودُفِن بفرنسا، وقد أُطلِق اسمه على مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري؛ تخليدًا لجهده الحثيث الذي بذله من أجل المحافظة على الآثار المصرية. من أهم أعماله ومؤلفاته:
– الفن المصري.
– حكايات شعبية فرعونية.
– الأغاني الشعبية في صعيد مصر.