ثنائي العامِل المزارِع والأرض
ثنائي العامِل المزارِع والأرض
في عام 1947م كان عدد سكان المجتمع المصري قد وصل إلى 19 مليون، كان ثلاثة أرباعهم من سكان الريف، والربع المتبقي يعيشون في المدن، كما كان عدد المشتغلين بالزراعة يتعدى 62% من إجمالي عدد السكان، وساعد على زيادة نسبة المشتغلين بالزراعة كون مصر تتميز بالمُناخ الذي يصلح لمعظم الزراعات، بالإضافة إلى التربة الخصبة ووفرة الماء، كان الفلاح يعيش في قريته لا يدري عنه ساكنو المدن كالقاهرة والإسكندرية شيئًا، والفلاح بدوره لا يخرج من قريته إلا نادرًا، ليس بحثًا عن فرص أفضل للحياة وإنما لمجرد إرضاء شهوة التنقل لديه.
تمثلت علاقة الفلاح بالأرض بالزواج الذي لا خلاص منه إلا بالموت، وكان هناك ثلاثة أنواع من الأراضي: أولها الأراضي الأميرية وهي الأراضي التي قسمها محمد علي عام 1813م على الفلاحين، والتي كانت عبارة عن ثلاثة إلى خمسة أفدنة توزع على كل شخص، مع بقائها في ملكية الوالي على أن يكون للدولة نصيب من نتاج هذه الأرض، ثم مُلِّكت هذه الأراضي للفلاحين بعد ذلك مقابل ضريبة يدفعونها كل موسمٍ زراعي. أمّا النوع الثاني من الأراضي فكان أراضي الأوقاف، وهي الأراضي التي يوقفها بعض الأهالي ليذهب نتاج الأرض صدقة للفقراء والمحتاجين، والأراضي الموقوفة تمثل 9% من جملة الأراضي المزروعة وأصبحت في ازدياد مستمر في ما بعد. النوع الثالث من الأراضي يمثل الملكيات الخاصة، وهي إمّا أن تكون ملكيات صغيرة يختص بامتلاكها معظم الفلاحين ولا تزيد على فدانين، وإما ملكيات تختص بكبار الملاك، وأبرز مثال على هذه الملكيات العزب، والعزبة إمّا أن تكون مزروعة للمالك ويعمل فيها الفلاحون عمالًا بالأجر، وإما أن يؤجر المالك الأراضي للفلاحين مقابل مبلغ من المال، أو المشاركة معهم في إيراد المحصول، والقائم على إدارة العزبة هو الناظر، الذي يمثل المالك الذي لا يأتي إلى عزبته إلا لأخذ الإيراد.
وبين أصحاب الملكيات الصغيرة وأصحاب الأملاك الكبيرة هناك فئة تمثل متوسطي الملاك، ويرجع لهؤلاء الكثير من الفئات التي تذهب للعمل في المدن أطباء ومهندسين، وهؤلاء لا يعيشون فقر الفلاح وشدته لكنهم لا يحتقرونه ويعيشون معه ويألفونه ويألفهم.
الفكرة من كتاب الفلاحون
يعتبر الفلاح عاملًا مهمًّا في حفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ففي وقتٍ من الأوقات كان الفلاحون يمثلون ثلاثة أرباع عدد سكان المجتمع المصري، وكان مجتمع الفلاحين هو مصدر الإنتاج الذي يقوم عليه اقتصاد الدولة. وبرغم ما تتسم به حياة الفلاح من المعاناة والفقر والجهل، فإنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي على مر العصور، والفلاح يستحق أن تكون حياته موضع درس وتحليل للتعرف على جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع المصري.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة للتعرف على حياة الفلاح عن طريق الحديث حول طبيعة عمله، وكيفية قيامه به ومحل سكناه وعاداته وصفاته إلى غير ذلك من الجوانب المهمة التي تميز حياة الفلاح المصري عن غيره من فئات المجتمع الأخرى.
مؤلف كتاب الفلاحون
هنري حبيب عيروط: ولد بالقاهرة سنة 1907م، درس بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع وحصل على الدكتوراه وكانت في موضوع دراسة أخلاق الفلاح وعاداته، أسس جمعية المدارس المجانية في قرى الصعيد التي وصل عدد المدارس التي تديرها إلى 100 مدرسة، نشر هذا الكتاب أول مرة عام 1938م في باريس باللغة الفرنسية تحت عنوان “أخلاق الفلاح وعاداته” ثم طُبع مرة أخرى في طبعته الجديدة تحت عنوان “الفلاحون”.
معلومات عن المترجم:
محيي الدين اللبان.
وليم داود مرقص.