تأمين الدولة.. العرب يحاربون ماضيهم
تأمين الدولة.. العرب يحاربون ماضيهم
هذا الحزم من أبي بكر لم تكن تقصد به القسوة على الإطلاق، ولكن فهم البعض ذلك المعنى وطبقوه بقدر ما استطاعوا، وتثبت الروايات العديدة لحروب الردة والمنسوبة إلى سيدنا خالد (رضي الله عنه) ذلك بالفعل، حتى إن بعض الصحابة من مرافقيه في غزواته اعترضوا على تصرفه في شأن مالك بن نويرة، ذلك الحدث الذي لم يتوقف اللغط فيه لمئات السنين وعاد ذلك الصحابي وسرد قصة ما حدث على عمر وأبي بكر، فطالب عمر بعزله من القيادة ولكن الخليفة لم يقتنع ولم يكن يرى تلك الوقائع كافية لعزله وإنما تتطلب بعض التأنيب فقط، وكان هذا أول خلاف بين الشيخين ولم يخذل خالد ثقة أبي بكر فيه، فأثبت جدارته في ما بعدها من الوقائع، ولا سيما قتال مُسيلمة الكذاب وبني حنيفة الذين استعصوا على قوات المسلمين، ولكن بمجيء مدد خالد اقتحموا حديقة الموت وقتلوا مسيلمة وأخمدوا دعوته.
ولكن تكرر الحدث نفسه مرة أُخرى، وما إن انتصر المسلمون حتى طلب خالد الزواج من ابنة مجاعة بن مرارة ووصل الأمر إلى الخليفة، فبعث إليه كتابًا يؤنبه فيه على فعلته هذه، ولكن أبا بكر كان قد أدرك مدى قوته ودهائه في الحرب، والحق أن خالدًا لم يكن يخلف هذا الظن أبدًا مهما كان الهول حوله.
ويتضح من اختلاف نظرتي الشيخين لخالد شيء في طبيعتيهما، فأبو بكر يدرك صعوبة كبح جماحه ولكنه يُقدر أيضًا هذا السيف ويرمي به في ميدان ينفع المسلمين فيُحسن ويصدق ظنه، ولكن عمر يريد من القادة إذعانهم وطاعتهم أولًا قبل البلاء.
وكان خالد بن الوليد أمير حرب بحق، فقد كان أبو بكر يحوله من ميدان إلى آخر لا يقل موقف المسلمين حرجًا فيه عن سابقه، ثم ما يلبث أن يخرجهم مما هم فيه بنصر ملحمي، تكرر هذا في العراق مع الفرس وفي الشام مع الروم، وكانت جبهات الحرب العديدة تلك تُجهد المسلمين وتفرق قواهم ولكن خالدًا يعرف كيف يغنيهم عن الأعداد، ويجعل تلك الأشتات غير المُعتادة على الحروب المنظمة تُقابل أمواج الروم والفرس وتقهرهم، ليس بالعدد ولا بالعدة، ولكن بتلك الجذوة التي حووها في صدورهم وأذن الله لهم أن ينشروها في بقية خلقه.
الفكرة من كتاب الشيخان
لقد حظيت فترة حكم الخليفتين عمر وأبي بكر (رضي الله عنهما) باهتمام كبير طوال تاريخ المسلمين، ذلك لأنهما كانا أسوة حسنة لمن تلاهما، فاقتفوا أثرهما راجين أن يُوفقوا في اتباعهما، هنا يتتبع طه حسين سيرة الشيخين في الجاهلية والإسلام، مبرزًا أهم التحديات التي واجهتهما، وكيف كانت مواقفهما منها، وكيف أقاما بنيان دولة ظلت قواعدها راسخة لمئات السنين.
مؤلف كتاب الشيخان
طه حسين، عميد الأدب العربي ومن أبرز الأسماء في الفكر الحديث، ولد في محافظة المنيا عام 1889، وتلقى تعليمه الأولي في الأزهر ثم في الجامعة المصرية التي حصل فيها على الدكتوراه في الفلسفة، ثم أوفد إلى جامعة مونبلييه بفرنسا ليكمل دراسته وأبحاثه بها ويعود إلى مصر، ليُعين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية.
دائمًا ما أثارت مؤلفات وأطروحات طه حسين الجدل وما زالت تثيره حتى يومنا هذا، ومن أبرز مؤلفاته:
ذكرى أبي العلاء.
في الشعر الجاهلي.
الفتنة الكبرى.
الأيام.
مستقبل الثقافة في مصر.