تأثير اللغة في الحضارات الأخرى
تأثير اللغة في الحضارات الأخرى
من دلائل تأثير الحضارة انتشار ألفاظها وكلماتها، وقد كان للحضارة العربية أكبر الأثر في ذلك، فنرى كلمات قطن Cotton، والحرير الموصلي Muslin، والمسك Musk، والليمون Lemon والأرز Rice والسكر Sugar وكلمات أخرى كثيرة، كما أن الجزيرة الأندلسية لم تعش عصرًا ذهبيًّا كالذي عاشته في أيام الحضارة العربية، وهي التي كانت مدنها أجمل مدن أوروبا، حيث تتجه إليها وفود العواهل الأوروبيين لطلب الأدوية والتحف، حتى إن أكبر الوطنيين الإسبان وأشهرهم وهو بلاسكوا أبانيز كان يلتفت إلى ماضي بلاده، ويتمنى لها حاضرًا كماضيها في أيام الدولة العربية من تقدُّم وحرية وضمان لحق النصارى واليهود، وذلك في الزمن الذي كانت فيه أمم أوروبا فريسة للفتن الدينية والمعارك الهمجية والتخلف.
أما الموسيقى، فمن الحقائق المعروفة أن أوروبا الغربية قد تعلمت فن الأنغام من العرب الأندلسيين، ويظهر هذا في أسماء بعض الآلات التي نُقلت بألفاظها العربية مثل كلمة لوت Lute من العود، وكلمة نكر Naker من النقارة، وكلمة Rebec من الرباب، وكان الأوروبيون يتهافتون على مدارس قرطبة لتعلم الموسيقى النظرية والتي كانت تشترط عليهم تعلم اللغة العربية.
وعن الفلسفة نجد علماء الأندلس كابن باجة وابن طفيل وابن رشد وغيرهم ممن زاولوا الفلسفة والطب، وسبقهم في ذلك ابن سينا الذي تُرجمت مؤلفاته في الفلسفة إلى اللاتينية، وقد وصل تأثيرهم إلى درجة تأثر فقهاء المسيحية في أوروبا بهم وبخاصةٍ بالفيلسوف الصوفي محيي الدين بن عربي، وقد ظهر أيضًا فلاسفة مسلمون لم ينقلوا عن السابقين إنما خرجوا بحجتهم ومناقشاتهم في تغليب العقيدة الإلهية كالغزالي الذي سُمي بحجة الإسلام.
الفكرة من كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
نظن نحنُ أمة الشرق الآن أننا أصبحنا في القاع، وإن تأكَّدت ظنوننا فإننا رغم ذلك لا ننظر إلى الحلول بقدرِ ما نتجادل في مشكلاتنا، والأعجب من ذلك أن الكثير منّا وصل به الحال إلى اتهام ما كان سببًا يومًا ما في انتشالنا من القاع بأنه هو سبب ما نحنُ فيه الآن.
إن الأمة التي تعلمُ ماضيها ستعرف كيف تُصلح حاضرها مهما ساء وضعه، ووجب علينا أن نعرف من نحنُ حقًّا وكيف أضاف أجدادُنا بصمةً في العلوم والفنون كانت هي حجر الأساس لكل ما وصل إليه العالم الآن.
مؤلف كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
عباس محمود العقاد (1989-1964م): أديبٌ ومُفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب ومجمع اللغة العربية، ألَّف أكثر من مائة كتاب في شتى المجالات، أشهرها سلسلة العبقريات، والفلسفة القرآنية، وحياة قلم، ويُعد من أهم كتَّاب القرن العشرين في مصر.