انفراجة بعد الضيق
انفراجة بعد الضيق
كانت الصعاب التي واجهتها عائشة عبد الرحمن لتحقيق الحلم كفيلة بأن تدفعها إلى الإقبال على دراستها بشدة، وكانت أمها تراسلها بأن الأمور في المنزل تسير على ما يرام لكنها عندما عادت إلى المنزل بعد أن أنهت السنة الثالثة وجدت أن جدَّها قد فارق الحياة كما وجدت رفضًا شديدًا من والدها لإكمال مسيرتها التعليمية حتى كادت الأسرة أن تتفكَّك بسبب رفضه، فما كان منها إلا أن آثرت التضحية فقدَّمت نفسها قربانًا لكيلا تحمل ذنب أمها وإخوتها كما حدث مع جدها من قبل، وجدَّت في إحضار الكتب المدرسية للسنة النهائية بديلًا ومنفذًا؛ فذاكرت المقرَّرات في المنزل وتسللَّت إلى أداء الامتحان في غياب والدها واجتازته بنجاح.
شيء ما شغل خاطرها كان قد حدث أثناء تأدية الامتحان الشفهي وقد أُعجبت لجنة الامتحان بحفظها القرآن وما أنشدته من شعر للعصور على اختلافها، فسألوها عن هدفها فأجابت: “أنوي دراسة مقرَّرات القسم الإضافي وأداء اختباره”، لكنهم نصحوها بإتقان الإنجليزية والفرنسية ودخول الجامعة أفضل لكنها لم تقتنع بذلك وقتها نظرًا إلى ما يُقال عن الجامعة وفساد علومها، أما عن المنزل فإن الوالد قد أكثر عليه الناس بأن يدعها تعمل كمعلمة فقبِل بذلك، واختارت هي أن تذهب إلى مدرسة البنات بالمنصورة كي تقيم بعيدًا عن المنزل ومشكلاته، وقضت عامًا وبعض عام هناك بين التدريس ودراسة مقرَّرات القسم الإضافي، لكن الإدارة لم تقبل أن تؤدي الامتحان بعد دراسة منزلية إذ اشترطوا حضورها الدروس، فعاد اليأس يدبُّ فيها من جديد، لكنها تطلعت إلى علاقات عمها الشيخ موسى قمر فذهب معها يحاول إقناع المسؤولين بأن تؤدي الامتحان لكنهم عرضوا عليه أن تتقدَّم إلى امتحان الشهادة الابتدائية بدلًا منه فوافقت.
أخذها عمها لتقيم مع أسرته حيث تستعد لأداء الاختبارات وتتمكَّن من دراسة الإنجليزية بصحبة ابنته فكان ذلك الطريق يقرِّبها من الجامعة، ولكن كيف يمكن تجاوز كل هذه الصفوف الدراسية وصولًا إلى الثانوية العامة؟ تقول المؤلفة: “وبعد عام واحد، تقدَّمت -من المنزل- إلى امتحان الشهادة الثانوية قسم أول مع اشتغالي بالتدريس..”، وبعد رحلة تعليمية شاقة تم نقلها من وظيفة معلمة بالمدارس الأولية إلى وظيفة كاتبة بكلية البنات بالجيزة.
الفكرة من كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
تصف عائشة عبد الرحمن نفسها وكأنها تقف على جسر يفصل بين عالم الحياة الطاغي بآثار زوجها الراحل عنها كما لو أنه حي ماثل أمامها، وعالم آخر ذهب إليه زوجها لكنها لا تملك أن تذهب إليه الآن ولا تخلَّفت عنه بإرادتها، ألا وهو عالم الموت.
تسرد بنت الشاطئ حياتها منذ الطفولة إلى رحيل زوجها عام 1966م في هذا الكتاب معلنةً عن كل التحديات التي خاضتها في سبيل تحقيق أحلامها وأهدافها.
مؤلف كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
عائشة عبد الرحمن: أديبة ومفكرة وباحثة وأستاذة جامعية ولدت عام 1913م، وتعرف بـ”بنت الشاطئ”، وهي أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وتولَّت العديد من المناصب الجامعية المرموقة ونالت عدة جوائز مختلفة، وتُوفِّيت عام 1998م تاركةً لنا إرثًا مجيدًا بين التأليف والتحقيق، ومنه:
“التفسير البياني للقرآن الكريم”.
“مع المصطفى، مقال في الإنسان”.
“تراجم سيدات بيت النبوة”.
“بطلة كربلاء”.