النمو الشخصي
النمو الشخصي
ذات البالغ هي التي تتوسَّط بين ذات الطفولة وذات الوالدية، وتنظم الانتقال بين حالات الذات، وترى من هو الأحق بالظهور لتولي المسؤولية في هذا المشهد أو الموقف، وهي على عكس ذات الوالدية وذات الطفولة لا تركِّز على المشاعر، بل على الحقائق، إذ إنَّ المرء كلما نضج وأصبح أكثر بلوغًا أخذت الذات العقلانية في الظهور وأتى السلوك وليد القناعة والنضج، فينتقل الإنسان الناضج شيئًا فشيئًا من الذات “المبرمجة” من خلال الوالدين ومشاعر الطفولة والنشأة الاجتماعية إلى الذات العاقلة.
فهو الآن قادر على أن يفرق بين ما الحياة كما أحسها وكما تخيلها لنفسه والحياة كما هي في الواقع، وانتقل من كونه مجرد “رد فعل” إلى “فاعل”؛ فهو الآن سيد قراره. ومن المثير والصعب أيضًا الحديث عن النضج والكمال، والإحاطة به وبكل تفاصيله، لذا سنتحدث عن التواصل الذاتي والاتصال بالآخرين كضرورة من ضرورات النمو، لنكون نسخًا أفضل من أنفسنا، إذ ليس هناك في واقعنا مثال للشخص الكامل في كل الجوانب لنشير إليه.
وليس هناك من نمو إنساني يمكن برمجته مسبقًا، إذ إنَّ النمو يعني التغيير، فإذا كان ما يؤلف كياني كشخص هو ما أفكر فيه، وما أحكم به وما أشعر به، ما أُجلُّ وما أحترم، ما أحب وما أكره، ما أخشى وما أستطيع تحقيقه، ما أومن به وما ألتزم بتنفيذه، وإذا كانت كل تلك الأمور التي تشكِّل جوانب من المعنى الذي أعطيه لذاتي في حركة مستمرة وتغير، فإن كل ما في إطار شخصيتي متحرك ومتغير، ما لم يكن قلبي وعقلي في حالة جمود بائسة، فالإنسان النامي متجدد، لذا عند تعاملك مع الأشخاص فلا تجعل أحكامك ثابتة غير قابلة للتبدل والتغير.
الفكرة من كتاب لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟
إنَّ كلمة (اتصال) تعني عملية تبادل وشراكة، فإذا بُحتُ لك بسرٍّ مثلًا أصبحتَ شريكًا لي، وأمسى سرِّي ملكًا لكلينا، فكيف إذا شاركتك خواطري وأفكاري؟
إن هناك ما هو أعمق يمكن أن أطلعك عليه وتشاركني فيه، يمكن أن أقول لك بصدق من أنا، لكنني عندما أحاول أشعر أنَّ هناك ما يمنعني ويحجزني عن فعل ذلك. ولم أدرِ ما هو حتى بصَّرني الأب جان باول بـ”لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟” في هذا الكتاب.
كان جان باول يريد أن يوضح لنا معنى الاتصال الحقيقي بالآخر، لذا كان بكل ما أوتي من بصيرة وحكمة يغوص في النفس البشرية، ليقرِّبنا من أنفسنا، ولأن الاتصال الحقيقي بالآخر يبدأ في الأصل من الاتصال الحقيقي بالنفس والذات، يقدم لنا المؤلف كتابه هذا ليساعد قارئه على تطوير نظرته إلى ذاته، وعلى تعميق علاقته بالآخرين، واضعًا قدمه على طريق النمو والنضج والكمال.
مؤلف كتاب لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟
جان باول اليسوعي: اسمه الحقيقي يوهان باول فريدريش ريشتر، وهو كاتب ألماني، ولد عام 1763 في فونزيدل، كان ابنًا لأحد المدرسين وعاش في ظروف شديدة الفقر، وتوفي والده مبكرًا، وكان من المفترض أن يدرس جان باول علم اللاهوت في لايبزغ، إلا أنه اتجه إلى الكتابة والتأليف، وبعد فترة إعداد طويلة ورفض دور النشر لأعماله، كتب جان باول أعمالًا جعلته مشهورًا لسنوات قليلة، وأهمها: “سر البقاء في الحب” و”السعادة تنبع من الداخل”، و”حب بلا شروط”.
وعندما كتب أحب أعماله إلى قلبه “تيتان.. سنوات المراهقة” لم يجد نجاحًا يُذكر، فاعتزل الحياة وعاش على هامشها إلى أن تُوفِّي في الثانية والستين من عمره في عام 1825 في بايرويت.