النسيان والذاكرة المكانية

النسيان والذاكرة المكانية
يعيش الإنسان المعاصر حالة من الفتور وانعدام الوعي التاريخي، تلك الحالة التي سوف تتسبَّب على المدى القريب أو البعيد في ظهور مجموعة من الناس المنفصلين بشكل كُلي عن الماضي والتاريخ، وبالتالي لن يجدوا شيئًا في المستقبل يكون محلًّا للنسيان، إذ إن هذا النسيان وخفوت الذاكرة عند البشر يرجع إلى أمرين هما: “ذاكرة ضعيفة للغاية، وكم هائل من المعلومات يتعذَّر على الإنسان استيعابها”.

فالترحال المستمر بين مدن العالم المختلفة يُعد سببًا في هذا النسيان الذي يعتري الحداثة، حيث يجعل هذا التنقُّل الإنسان فاقدًا لبناء ذاكرة مرتبطة بالمكان، وبالتالي لا يتوقَّف الإنسان في تلك الأماكن لمتابعة الأحداث والتفاعل معها، كما لا تجعله يتذكر أيًّا من أسماء الأصدقاء الذين قابلهم أثناء ترحاله، باستثناء شخص أو أكثر ممن كانوا أكثر قربًا منه، وعند عودة هذا الإنسان إلى مسقط رأسه نجده يقوم بإزالة الحجاب عن الأحداث ويقوم بإعادة تشغيل الذاكرة وممارستها مرة أخرى، فهو لو لم يفعل ذلك ولم يمارس هذا النوع من النسيان فلن يدري أين هو أو أين سوف يذهب؟!
كما أن هذا الفيض المعلوماتي الذي فاقمه “الكمبيوتر”، والذي يعيش فيه الإنسان المعاصر يُعجِّل بأمراض النسيان وداء فقدان الذات، كما أنه -أي الكمبيوتر- يشجِّع على الكسل في تذكُّر الأشياء، وتحفيزه للعزلة وخلق حالة خاصة من الانعزال عن الأحداث الاجتماعية المحيطة بالإنسان، وإلى جانب ذلك نجد أن الحداثة مصابة بنوع معين من النسيان وهو النسيان المتعلق “بالذاكرة المكانية” القائمة على “الطبوغرافيا أو وصف الأماكن وسماتها”، مثل المنزل أو المدرسة، حيث عندما يريد الإنسان أن يتذكَّر أي شيء فإنه يقوم بزيارة ذهنية إلى الأماكن التي زارها من قبل أو مكث فيها ويقوم بعمل إسقاط لصور الأشياء عليها، وبالتالي فإن الأماكن تعمل على حفظ الأشياء التي يريد أن يتذكرها الإنسان.
الفكرة من كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
لقد أضحى النسيان سمة أساسية من سمات الحداثة، حيث أصبحت المجتمعات تفقد تدريجيًّا ذاكرتها وعلاقتها بالماضي كنوع من أنواع فقدان الذاكرة الجماعي، مما ينتج عن ذلك من تدمير الروابط التي تقوم بوصل الإنسان المعاصر بماضيه، وبالتالي فصله عن جذوزه الممتدة إلى الأجيال السابقة عليه، حيث أصبح الجيل الصاعد من الجنسين (الرجال والنساء) يفتقر إلى تلك العلاقة العضوية التي تربطه بالماضي، تلك العلاقة التي خلقت وأوجدت الحاضر الذي يعيشه الآن، فنجد أن الإنسان المعاصر بسبب السيل الهادر من المعلوماتية لم يعد لديه قدرة على التذكر أو الوعي التاريخي، وأصبح يمتلك ذاكرة السمك.
مؤلف كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
بول كونرتون ، يشعل وظيفة باحث مشارك في قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، كما أنه زميل شرف بمعهد الدراسات الألمانية والرومانسية بجامعة لندن، من كتبه: “كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟”.
معلومات عن المترجم:
علي فرغلي، هو عضو هيئة التدريس بكلية الآداب قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس، كما شغل منصب النائب الأسبق لعميد كلية الآداب بجامعة تعز باليمن، له عدد من الكتب التي قام بتأليفها، مثل: “الدولة والطبقات الاجتماعية في مصر”، و”العولمة والهوية الثقافية”، ومن الكتب المترجمة: “النظرية الاجتماعية والواقع الإنساني”.