المفهوم الفلسفي للدولة
المفهوم الفلسفي للدولة
يمثِّل الخليط المكوَّن من غرائز وحاجات الفرد المختلفة دافعًا لكي يسعى لتحقيقها وإشباعها، وبدأ يتحرَّك في نطاقه الذاتي ويمارس أنشطته بمفرده، ولكن عند نقطة ما اصطدم بمصالح ومطامع أفراد آخرين، واكتشف أنه لن يتمكَّن من إشباع كل احتياجاته إلا داخل إطار اجتماعي يوفِّرها له، فاتجه الأفراد إلى الاجتماع ومحاولة التوافق والتكيُّف في مجموعات متشابهة، تحكمها قوانين داخلية وروابط قبلية، وانتقل الصراع بين الأفراد إلى دائرة المجموعات.
وفي ظل نمو تلك المجموعات واتساع دائرة احتياجاتها، باتت الحاجة إلى شكل من أشكال التنظيم ملحَّة، ولكن ذلك سيحدُّ من حرية الأفراد في إشباع احتياجاتهم، لأنهم سيقدِّمون فروض الطاعة والولاء لسلطة إلزامية أعلى، سيكون هدفها الأهم هو تحقيق المصالح والأسس التي تمكِّن أفراد المجتمع من تحقيق إشباعهم في ضوئها، عبر صياغة عدد من القوانين التي تحدِّد كل أشكال السلطة من قواعد ولوائح وتحديد للأهداف الأساسية لكل الإدارات، بل وكيفية نشأتها.
يتشابك مصطلحا المجتمع والدولة، لا نستطيع الفصل بينهما بصورة واضحة، ولكن يمكننا القول تجاوزًا إن الدولة هي شكل متطوِّر من المجتمع له سيادة قانونية وإدارية بهدف تنظيمه، وتتبدَّى تلك السيادة في صورة عدد من الأفراد الذين يكوِّنون الحكومة، أي لهم اليد العليا في اتخاذ القرارات الإلزامية باسم الدولة، ويمكن التحكُّم في حدود سلطتها عبر تقييدها بالتشريعات والدساتير المختلفة التي يشارك في صياغتها ممثِّلون عن الشعب؛ وهم النواب.
وأول ما يهدف النظام إلى حمايته هو السيادة، ولا يستقيم ذلك إلا بوجود قوَّة لفرض الطاعة، وهنا يأتي جوهر دور القوات المسلحة في الدولة، فهي تحمي السيادة سواء خارجيًّا من السطو عليها من الدول الأخرى عن طريق الحرب، أو داخليًّا من التمرُّد عن طريق الثورة أو الإضراب.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.