المعلومات السريعة
المعلومات السريعة
ونتيجة “للسلطة الأوديماتية” تستنتج أن بين الواقع الفكري والواقع الإعلامي علاقة متناقضة، لأن الأول يحتاج إلى قدر كبير من التأني والملاحظة، والثاني يحتاج إلى السرعة، كما أنه أقل دقة من الأول، وهذا التناقض لا يعني انعدام الصلة بينهما، فعلى الرغم من أن التليفزيون يحتاج إلى السرعة في نقل المعلومات -وهو أيضًا فضاء واسع غير لائق للتفكير المتأني- فإنه خلق فكرة المُفكر السريع وهو الذي يستضيفه مقدمو البرامج للتعليق على الموضوع المطروح للنقاش، وتكون لديه أحكام سابقة حول هذا الموضوع، والجمهور يتلقى الأحكام بشكل مباشر ويعدها وجبة ثقافية، كما هو الحال لدى ضيوف المناظرات الزائفة، الذين يمكن وصفهم بكونهم شركاء في اللعبة السياسية، لأن كل ما يدور بينهم من جدال متفق عليه قبل الحلقة،
وكل منهم يحمل سيناريو معينًا يعبر عن وجهة نظر معادية للأخرى، وقد يكونون أصدقاء حميمين على أرض الواقع، ويمكن تبرير ذلك من خلال الإشارات والنظرات واللغة المستخدمة خلال النقاش الذي يديره مقدم البرنامج بينهم، وهذا المقدم غالبًا ما يدعم وجهة نظر فريق على حساب الفريق الآخر ليخل بتوازن النقاش، ومن ثم يحقق هدف القناة في التعبير عن رؤيتها.
وهناك نوع آخر للندوات وهي الندوات الحقيقية، ولكنها أيضًا تحمل تزييفًا في طياتها، وفيها يوزع مقدمو البرامج الأدوار على كل ضيف، كلماته وحركاته وحتى نبرة صوته، كل هذا محسوب بالدقائق والثواني.
ولكن ماذا إذا كان الضيف عالمًا أو شخصية كبيرة، هل يتم التعامل معه بالطريقة نفسها؟ في حالة العلماء الكبار تُستخدَم استراتيجية بديلة وهي تلبس المقدم لباس المُشاهدين، فيقاطع الضيف لأنه لا يفهم كلامه، لأنه هنا ينزع عن نفسه الجهل والغباء ويتركه للمشاهدين.
هذه الندوات هي قوت يوم مقدمي ومعدي البرامج على حسب تعبير بورديو.
هل يُدرك الجمهور كل هذا التناقض في العرض؟ ربما، حتى إذا شعروا بذلك فإنه يظل عالمًا خفيًّا عن أنظارهم ومحكمًا بشكل تام.
الفكرة من كتاب التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول
يكشف بورديو القناع عن الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام -المرئية منها بشكل خاص- من تلاعب وتأثير في عقول المشاهدين، وكيف تشكل هذه الوسائل الأفكار والرأي العام بما يتناسب مع الجهات المهيمنة على الإعلام، ويجيب الكتاب عن عدد من الأسئلة المهمة، منها: لماذا التليفزيون دون بقية وسائل الإعلام؟ هل يمكن للمفكرين الامتناع عن المشاركة التليفزيونية؟ ولماذا يقبل العلماء والباحثون الاشتراك في البرامج؟ وكيف تُؤَطَّر المعلومات قبل أن تصل إلى المشاهدين؟ وكيف يزيف التليفزيون الحقائق؟ وكيف يتجنب المثقفون هذا التزييف؟
مؤلف كتاب التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول
بيير بورديو: عالم اجتماع وفيلسوف فرنسي، ولد عام (١٩٣٠م) في جنوب فرنسا، درس الفلسفة في مدرسة المعلمين العُليا في باريس ونال فيها شهادة الأُستاذية في الفلسفة، ودرس في كلية الآداب في الجزائر واهتم بالدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، كما درس الفلسفة في السوربون وأصبح مديرًا لقسم الدراسات في مدرسة الدراسات العُليا، ثم مديرًا لمعهد علم الاجتماع الأوربي، وانتُخِب لكرسي علم الاجتماع في “الكوليج دو فرانس”، مات في ٢٣ يناير (٢٠٠٢م).
أنتج بيير بورديو أكثر من 30 كتابًا ومئات من المقالات والدراسات التي ترجمت إلى عديد من اللغات في العالم من بينها اللغة العربية، منها:
– بؤس العالم مع آخرين.
– تأملات باسكالية.
– السيطرة الذكورية.
عن المُترجم:
درويش الحلوجي: تخرج في كلية العلوم جامعة القاهرة، وعمل في مجال البحث العلمي بالمركز القومي للبحوث العلمية بالقاهرة، ثم في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا.
وله عدد من الدراسات الأكاديمية، منها:
الانتفاضات الشعبية في مصر.
العنف السياسي الاجتماعي في مصر.