الفقه الإسلامي بين التجديد والتأصيل

الفقه الإسلامي بين التجديد والتأصيل
أعتقد أننا اليوم في أمسِّ الحاجة إلى تطوير علم الفقه والفتوى، لكي نستطيع أن نواجه أزمة الفكر العولمي، ومشكلات الواقع المتأزم والتشكيكات، وهذا يعتمد في البداية على منهج الاستنباط، وجوهره في التعامل مع المصادر الأصولية، وأهل هذا النهج هم المجتهدون، وغايته البحث عن حكم الله الذي لا تخلو منه مسأله في الوجود، أو فعل من أفعال العباد، وتحقيق الفرض الذي هو من أشد واجبات فقه التنزيل، وغايته وصف الوقائع وصفًا دقيقًا حتى يمكن قيدها تحت حكم شرعي، فهي تعدُّ من مفرداته في منظور اجتهاد الواقع، فوَظيفة تحديد المناط هي البحث عن الواقعة الكامنة في النص وهي في الأساس تجريد ذهني، وهذه المنهجيات قد اعتبرت أنها الأفق الوحيد الذي تحلِّق فيه تيارات الاجتهاد المعاصر .

لا يمكن إنكار أن إحدى سمات الفقه الإسلامى أنه قابل للتجدُّد دائمًا في كل العصور، وذلك يرجع إلى أن حقيقة علم الفقه هي الأحكام الشرعية العملية التي يستنْبطها المجتهدون من الأدلة التفصيلية التشريعية، لكن الفقه الإسلامي ليس مجرد علم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، بل هو أيضًا ساحة معرفية أنتجت علومًا موضوعية تتعلَّق بالمنهج والأصول، وعلومًا أخرى إجرائية تتعلَّق بالآليات والطرق والأساليب، وعلينا أن نتخذ من علم تاريخ الفكر المقارن الذي بدوره يثبت عناصر تميزنا عن باقي العلوم، وبعيدًا عن فكرة الخروج عن النص التي أصبح المثقفون يعتبرونَها المعيار للتجديد، وهي الدلالة على الاجتهاد، وهذا عائد منذ البداية إلى جهلهم في التفرقة بين مصطلح الاجتهاد والتجديد، فقد جعلوا المصطلح شيئًا واحدًا.
الفكرة من كتاب مقالات في التجديد
كثيرًا ما نسمع الأصوات التي تنادي وتناشد دائمًا بالتجديد الفكري، وأحيانًا بإلغاء الخطاب الديني والتخلُّص من جمود النصوص، فهم يرون أن الخطاب الديني هو أزمة الفكر، أو أنه سبب أزمة تخلُّف المسلمين في الحضارات العربية، وأنه ليس هناك حل لتلك الأزمة إلا بهدمها، وهؤلاء المدَّعون بعلو الثقافة لا يفصحون عن مقتضى هذه الدعوة، أو ما هو اللزوم المنطقي الصحيح لبناء هذه الحجة، سوى غرض واحد فقط هو دائمًا إظهار أن الأزهر ليس سوى متحف تاريخي للعرض، وهدم كل تجلياته العلمية والروحية والثقافية.
مؤلف كتاب مقالات في التجديد
الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب: الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وهو أستاذ العقيدة والفلسفة، ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وقد قام بترجمة كتب كثيرة من المراجع الفرنسية إلى العربية، ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة والتصوف، ومن أشهر مؤلفاته: “الجانب النقدي في فلسفة أبي بكر البغدادي”، و”أصول نظرية العلم عند الأشعري”.