العُجب باللاشيء!
العُجب باللاشيء!
ليس كل جنس الإنسان على خلق حسن طيلة الوقت، بل الفرد نفسه ليس دائمًا كريم الخلق طيب النفس، فقد تمر به خطوب وأحداث وتعرض له صنوف من البلاءات والامتحانات، بل وربما اختلاف الزمان والمكان عليه يغيِّر شيئًا فيه، لكن هناك من الأخلاق ما لا يقبل على إطلاقه لعظيم فحشه حين ينزل بالنفس.
فيذكر الكاتب من تلك الأخلاق التي ترد على النفوس فتفسدها وتضرُّها ولا تنفعها خلق الكبر والعجب، وبم يعجب المرء ولم يعجب؟
إن كل ما فيه فضل خالص من الله (عز وجل)، إن كان من نسب رفيع أو خَلق جميل أو خُلق حسن أو إن وهبه مالًا وفيرًا وقصرًا مهيبًا، بل وإن علمه علمًا نافعًا وحفَّظه كتابه وسنة نبيه، كل ذلك وأكثر من الله وحده لو لم ييسِّره لابن آدم لم يتيسَّر، فهو الذي ذلَّل له الكسب والعيش فجنى الأموال، وهو الذي حبَّب إليه الهدى والعلم فصحب العلماء، وهو الذي شرح صدره للقرآن فحفظه وفهمه ووعاه وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها حقًّا!
وعلى الجانب الآخر فإن العاقل هو من لا يرى في نفسه شيئًا يستحق الثناء عليه إلا ما قدره الله عليه، فيُرجع الفضل إلى ربه فيزيده ربه من حيث لا يدري ولا يحتسب، وينشغل بإصلاح عيوب نفسه، بل ويسأل الله أن يقدره عليها أيضًا، فالنفس لا سبيل لتزكيتها إلا من بارئها وخالقها، فقد يكون فيها خلق الكبر والعجب والإنسان لا يدري، لذا فهو يسأل ربه البصيرة والهداية.
ويكفينا من شناعة ذلك الخلق أن يقول ربنا (جل وعلا) محذرًا في الحديث القدسي: “العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه”، وعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أيضًا أنه قال: “بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نَفْسُه، مُرَجِّلٌ رأسَه، يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إِلَى يوْمِ القِيامةِ”.
الفكرة من كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أصدق المعاني معانٍ ذاقها أصحابها بعد مرارة التجارب وتتابع الأيام وتراكم الخبرات ثم أخرجوها إلى الناس صادقة واضحة نافعة مصبوغة بصبغة الصفاء والعفوية والسهولة غرضهم فيها أن ينتفع أصحابها كما انتفعوا هم، لكنه مهما بلغ المعنى من الوضوح والجلاء والصحة أن يُستَوعَب إلا أن النفس تتوق إلى التجربة وخوض الحياة لتصنع تجربتها الخاصة وتستخرج معانيها هي، وليس الخبر كالمعاينة! وهذا ما سنتبينه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة لأب ترأَّس الوزارة أيام الدولة العامرية، ثم ترأَّس هو نفسه الوزارة أيام المستظهر بالله العامري، ثم أيام المعتد بالله وتركها ليتفرَّغ لعلوم الإسلام قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
كان صاحب أسلوب وبلاغة وحجَّة، وكان يُعاب عليه اندفاعه وحدَّته في تناول آراء ومذاهب وأشخاص خصومه من علماء عصره.
ومن أبرز مؤلفاته:
الناسخ والمنسوخ.
الفصل في الملل والأهواء والنِّحل.
طوق الحمامة.
المفاضلة بين الصحابة.