السيف ثمنُ الغفرانِ
السيف ثمنُ الغفرانِ
كانت الأفكار المهيمنة على الغرب المسيحي، مع نهاية الألفية الأولى، تدور حول نهاية العالم وهلاك البشر، ففي ظل المجاعة التي اجتاحت أوروبا لخمس سنوات، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي انتشرت في تلك الفترة، راجت التصوُّرات والخرافات التي أسَّست لفكرة الهلاك القادم لا محالة، هذا أدَّى إلى جعل الناسِ -بخاصةٍ الفقراء منهم- توَّاقين إلى الخلاص (بالمفهوم المسيحي)، وأدَّى إلى زيادة رحلات الحج إلى الأراضي المقدسة، وبخاصةٍ فلسطين، طلبًا للخلاص من جهة، وفرارًا من القحط الذي أمَضَّهم لسنوات من جهة أخرى.
استثمر قادة الحرب هذه المشاعر، فأرسوا فكرة أن رحلات الحج هي الطريق نحو الغفران، الذي تطوَّر لاحقًا إلى ما يعرف تاريخيًّا بـ”صكوك الغفران”، إلا أن الحج في حد ذاته لم يكن العامل الأساسي في الحرب في رأي الكاتب، إنما عملية “تسليح الحج” وإضفاء القدسية على الحاج حامل السيف، واعتباره “جنديًّا في جيش المسيح”؛ المصطلح الذي سوف يتطوَّر لاحقًا إلى “صليبي”، بينما توارت تمامًا كلمة “حاج”.
إن العامل الأساسي لنجاح الحملة الصليبية الأولى هو الترويج لكونها “غفرانًا لكل الذنوب”، على الرغم من أن خطبة البابا أوربان الثاني التي دشَّنت الحرب لا تتضمَّن وعدًا بالغفران الكامل، إلا أنه ظل وقودًا للحملات الصليبية المتتابعة، فقد غضَّ الباباوات الطرف عن مرسوم البابا أوربان الثاني وتبنَّوا التفسير الشعبي للغفران، وتبنَّاه بشكل رسمي البابا أجينيوس الثالث في الدعوة إلى الحملة الصليبية الثانية؛ أَنْ صار الاشتراك في الحملة شرطًا للحصول على الغفران الكامل، وتوسَّعت دائرة الغفران لتشمل غير المحاربين المسافرين إلى فلسطين، ومن يرسل محاربين بدلًا عنه، هذا الاستغلال السياسي للغفران كمحفِّز للحرب أدى فيما بعد إلى إمكانية شراء الغفران بالمال، وبنهاية القرن الثالث عشر كانت الدعوة إلى الحملات الصليبية وسيلة لملء جيوب رجال الكنيسة بالمال، واختفى من المشهد أي وازع ديني يخصُّ الأراضي المقدسة.
الفكرة من كتاب ماهية الحروب الصليبية
عندما نذكر الحروب الصليبية، فنحن لا نتحدث عن حرب انتهت بانتصار أحد الطرفين ثم طواها التاريخ، إنما نتحدث عن حرب استمرت مائتي سنة ولا يزال أثرها باديًا حتى اليوم.
هذا الكتاب يرصد ويناقش الأيديولوجيا التي حرَّكت جيوش أوروبا في حربها الطويلة ضد المسلمين، وكيف قاوم المسلمون الأخطار المحدقة بهم، وما الآثار طويلة المدى التي خلَّفتها الحرب على المسلمين؟
مؤلف كتاب ماهية الحروب الصليبية
الدكتور قاسم عبده قاسم: (1942 – 2021) مؤرخ ومترجم مصري، حاصل على الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز القومي للترجمة، له مؤلفات مهمة مثل: “أهل الذمة في العصور الوسطى”، و”بين الأدب والتاريخ” وغيرهما، إضافةً إلى ترجمة العديد من الكتب مثل: كتاب “تأثير العرب على أوروبا العصور الوسطى”.