الرؤية الاقتصادية للمذهب الليبرالي
الرؤية الاقتصادية للمذهب الليبرالي
قامت الليبرالية على المعنى الدلالي للإنسان من الماهية العاقلة إلى الماهية المالكة، وأصبح الإنسان في نظر الليبرالية الرأسمالية كائنًا اقتصاديًّا، وأصبحت هذه الرؤية تتحكَّم في المنطق الثقافي الغربي، برغم تعدُّد واختلاف توجهاته الفلسفية، والدليل على ذلك أنه رغم التناقض الظاهري بين المشروع الليبرالي الرأسمالي والمشروع الاشتراكي الماركسي، فإن أساسهما واحد وهو النظر إلى الإنسان على أنه حيوان اقتصادي، وهذه الرؤية يراد فرضها على كل الأنظمة الثقافية في العالم وعولمتها.
إن المنظِّرين للفكرة الليبرالية حريصون على اختزال الدوافع والأشواق والغايات الإنسانية إلى رغبات وأشواق جسدية لتؤول إلى محض رغبة اقتصادية، فإن العيب هنا في الرؤية الاختزالية لدوافع ورغبات الإنسان، والصواب يتحدَّد في رؤية مستوعبة للكائن الإنساني، على أنه متعدِّد الدوافع متنوِّع الأشواق.
إن نظرية الفاعلية الاقتصادية في المذهب الليبرالي تقوم على قداسة الملكية الخاصة، وحرية الفرد في التصرف في ملكيته، ورفض تدخل الدولة في الواقع الاقتصادي، حيث يتم اختزال وظيفة الدولة في الحفاظ على حرية الواقع الاقتصادي دون التدخل الفعلي فيه، ذلك لاعتقاد الليبراليين أن العملية الاقتصادية يحكمها قانون طبيعي خفي، فلا خوف من إعطاء هذه العملية كامل الحرية، فإن ذلك لن ينتج عنه الفوضى، بل سيضبط سير العملية الاقتصادية ويضمن توازنها.
وينزع المنظور الليبرالي الاقتصادي إلى تثبيت قيم نفعية لا إنسانية، ويستبعد القيم الأخلاقية من الحقل الاقتصادي، حيث تحول الإنسان إلى حيوان اقتصادي لا يشعر إلا بمحفظة جيبه، وبذلك فإن هناك خللًا كبيرًا وتعارضًا بين ما تنادي به من التحرُّر وما تتبنَّاه من رؤى اقتصادية لا يهمها الإنسان ولا حريته ولا ازدهار حياته الاقتصادية، بل الحفاظ عليه كائنًا مستهلكًا لكي تزدهر الرأسمالية وفقط.
الفكرة من كتاب نقد الليبرالية
الحرية هي أسمى القيم التي يسعى الإنسان إليها، وتميزه عن بقية الكائنات، لكنها مع ذلك ليست محددة بإطار ما أو لها حدود ملموسة، وليس كل من يدَّعي أن مذهبه هو السعي إلى الحرية فهو على صواب، بل إن هناك كثيرًا من المذاهب تدَّعي أن مطلبها تحقيق الحرية لبني الإنسان، وهي في الحقيقة تستغل الحرية لكي تبرر أفعالها وممارساتها، فهل تسعى الليبرالية بوجهيها الكلاسيكي والنيوليبرالي إلى الحرية حقًّا أم أن لها وجهًا آخر ومساعيَ أخرى تخفيها؟
في هذا الكتاب محاولة لتحليل المذهب الليبرالي منذ نشأته وحتى يومنا هذا ونقده نقدًا موضوعيًّا لعلنا نتوصَّل معًا إلى تلك الإجابات.
مؤلف كتاب نقد الليبرالية
الطيب بوعزة: كاتب وباحث مغربي، ولد عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، في طنجة.
يعمل أستاذًا للتعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، له مؤلفات عدة أبرزها:
في ماهية الرواية.
مقاربات ورؤى في الفن.
تاريخ الفكر الفلسفي الغربي.