
الحرية
لا توجد الحرية بمفهومها المطلق داخل حدود الدولة، فيعدُّ تعريفها إجابة على سؤال ماذا يفعل الفرد داخل الدولة، فالمجتمع يضغط على أفراده نحو إشباع أهداف وأغراض يسمح بوجودها، وتكفل الدولة الفرص المتساوية لأفرادها لتحقيق ذلك، ويبقى هذا هو إطار الحرية، إضافةً إلى عدم إكراه الفرد نحو تحقيق إشباع بصورة معيَّنة، هكذا نستطيع أن نفهم الحرية بجانب وجود القانون، فليست هي ممارسة الاختيار بصورة مطلقة، ولكن الاختيار من بين الخيارات المتاحة.

يرى الفيلسوف جان جاك روسو أن هناك حقوقًا تمنح للإنسان بحكم وجوده في الطبيعة، أطلق عليها اسم الحقوق الطبيعية مثل حق الاعتقاد والملبس والمأكل والاجتماع، ولا يحقُّ للدولة تحت أي تبرير أو ظرف أن تنتهكها، لأنها الحد الأدنى من أنماط السلوك التي تحقِّق السعادة.
ولا تتعارض الحرية مع الولاء، فإن الولاء للسلطة لا يكون ذاتيًّا لها ولكن لأهداف مؤسساتها، وأحيانًا ينظر إلى الثورات على أنها محاولة لتصحيح المسار، نتيجة حياد تلك المؤسسات عن أهدافها المفترضة، ولكنها تتطلَّب قدرًا كبيرًا من التضحية التي يعجز عن بذلها الأغلبية، نتيجة تفكيرهم في حاجاتهم المستقبلية والخوف من خسارة ما حقَّقوه من نتائج، أي يخضعون لمصالحهم الشخصية.
يمكن للدولة أن تمر بأزمات عابرة، تحتاج فيها إلى إخماد التوتر المجتمعي خشية الثورات، ولكن عليها أن توضح أن تلك الأزمة الراهنة مؤقتة وستمر بسلام، وتوضِّح أنها لكي تمرَّ يجب على أفراد المجتمع أن يقدموا تضحيات ضرورية، ويجب أن تحرص الدولة على أن تضحي جميع طبقات المجتمع، ولا تتحمَّل التكلفة طبقة معينة وتترك للمعاناة بمفردها.
الفكرة من كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
يسعى كل فرد لتحقيق احتياجاته وإشباع رغباته، ومنذ أن اجتمع الأفراد حول تحقيق مصالح مشتركة، ظهر علم السياسة في شكله البسيط آخذًا في التطوُّر مع تقدُّم الزمن، وتعقَّدت أشكال تجمُّع الأفراد واتخذت صور منظمات وتيارات أكثر تنوعًا، وتركَّبت الأنشطة الاجتماعية التي يمارسها وحاولت العلوم الإنسانية بشكل عام والسياسة على وجه التحديد اللحاق بركب ثورة العلوم الطبيعية، محاولة توصيف وتفسير علاقات الإنسان بالنظم السياسية حوله.
يُقدِّم لنا الكتاب النظريات الفلسفية المتعددة التي تحاول أن تبين لِمَ وكيف نشأت الدولة، وما وظائفها التي تسعى باستمرار إلى الحفاظ عليها، وعبر تحليل أشكال العلاقات بين طبقات المجتمع سنصل إلى استنتاجات مهمة حول وظيفة القانون والجيش وأهميتهما، وكيفية نشأة المجتمع الدولي وقوانينه.
مؤلف كتاب الدولة نظريًّا وعمليًّا
هارولد لاسكي: منظِّر سياسي واقتصادي أمريكي يهودي، ولد في 30 يونيو عام 1893، وتُوفِّي في 24 مارس عام 1950، كان أستاذًا في الاقتصاد بكلية لندن منذ عام 1926م وحتى وفاته، كما ألقى عدة محاضرات بجامعة هارفارد ويال، اعتنق الماركسية منذ عام 1930م مقتنعًا بأهمية الثورة العمالية وترأَّس حزب العمال البريطاني لسنتي 1945م و1946م، وتم انتقاد آرائه بشدة من جانب تشرشل في الانتخابات العامة، وتخلَّى قادة حزب العمال عنه مع ازدياد حدَّة الهجوم على نشاطه الثوري.
من أشهر إسهاماته في عالم السياسة والأفكار كتاب “مقدِّمة إلى السياسة”، و“الحريات في العصر الحديث”.