التفاهة الأكاديمية

التفاهة الأكاديمية
الجامعة.. هذا الصرح العلمي الصارخ، كما يُعتقد، وهو في نظر الكاتب إحدى أهم الظواهر التي تعرف من خلالها حقيقة التفاهة، وذلك لأن الحقيقة الكُبرى التي يعرفها الجميع، أن طلب العلم لا يكون إلا لأغراضٍ اجتماعية، لا طلبًا لحقيقة الحكمة والبصيرة، بل وأصبح هوسًا باكتساب المزيد من الشهادات التي تزيد من نظرة المجتمع، فأصبحت المعرفة الأكاديمية مُسلَّعة، قيمتها ليست في ذاتها، بل في المال والوجاهة المُكتسبة منها.

غير ذلك.. ظهور العديد من التخصصات تجعل البشر يحفرون عميقًا في اتجاه واحد، بينما يفوتهم الكثير من المشاهد والعلوم الأُخرى التي تزيد من فضولهم المعرفي، فانفصلت الفلسفة عن كُل علم وأصبح من يدرُسون ويُدرِّسون العلم لا يعرفون من أين أتى ولا إلى ماذا يهدف، فظهر “الخبير”؛ ذلك المُتخصص الضيِّق الذي يخدم السوق، واختفى العالمِ الحقيقي صاحب الأفق الواسع.
فالخبير لا يظهر إلا إذا أرادت المؤسسة، لا يتكلم إلا في المهام التي حددتها له، فأهدافه تابعة لأهدافها، وكأن العلاقة بينهما هي علاقة مصلحة فقط، فصارت الأبحاث مُوظفة للأهداف لا العكس، وأشهر مثال على ذلك ما قامت به شركة كوكا-كولا حين موَّلت دراسات علمية لتُثبت أن سبب السمنة هو نقص ممارسة الرياضة لا زيادة السعرات الحرارية.
ومن ضمن التفاهة الأكاديمية أيضًا أنك متى دخلت تلك اللعبة ستلاحظ أنك لا بد أن تشارك في طقوس اجتماعية جانبها الخفي مُخيف جدًّا، كالظهور في فعاليات ومؤتمرات لا فائدة مرجوة منها، أو تهنئة زميل على رسالة علمية أو مقال أنت لم تقرؤه أصلًا، كل هذه الطقوس فقط لتُثبت ولاءك لهذه المجموعة.
أخيرًا جعل الكاتب كلارك كينت رمزًا للأكاديمي في القرن العشرين، وكلارك كينت هو الشخصية المدنية لسوبر مان، إنها شخصية ضعيفة مُتلعثمة إلا أنها متى استلهمت القوة الخارقة صارت لا تستخدم إلا الحلول العنيفة التي تُظهرها في مظهر الُخيلاء.
الفكرة من كتاب نظام التفاهة
حينما تفتح التلفاز فتُشاهد “الفنانة” المُلوَّنة تُقدِّم نصائح زوجية، فتسأل ما الذي جعل الفنانة مُرشدة مجتمعية؟ أو حينما تتأمَّل في الفيلم أو مقطع اليويتوب الأكثر مشاهدة ثم تسأل: لماذا هذا العدد الضخم من المُشاهدات لهذا النوع من المقاطع والأفلام؟ فإن هُناك سمة مُشتركة بين هذه الفنانة وهذا الفيلم وهذا المقطع؛ إنه التسطيح والفراغ القيمي.
إننا في عصرٍ يطلب منك ألا تُفكِّر كثيرًا، يجب ألا تكون عميقًا أبدًا، كُل الأشياء في حقيقتها بسيطة لا تتطلَّب منك سوى فنجان قهوة وكتاب عنوانه غير مفهوم، أنت الآن مثقف، أنت الآن مُتحدِّث جيد حول القضايا المُهمة.
في كتابنا يأخذنا الكاتب إلى رحلةٍ شيِّقة مؤلمة بعض الشيء ليُظهر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فنعرف خطر المُنزلق الذي يزداد انحدارًا يومًا بعد يومًا على عدة مستويات؛ فيضعنا أمام حقيقة مُشاهدة لكن لا أحد يعبأ بخطورتها!
مؤلف كتاب نظام التفاهة
الدكتور آلان دونو: أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وله اهتمام كبير بالتصدِّي للرأسمالية والعولمة، اشتهر بكتابِه Noir Canada ويعني “كندا السوداء”، والذي هاجم فيه شركات صناعات التعدين الكندية هجومًا قويًّا بسبب عمليات الفساد والنهب التي قامت بها في أفريقيا.
من مؤلفاتِه: Imperial Canada Inc.: Legal Haven of Choice for the World’s Mining Industries
معلومات عن المُترجمة:
مشاعل الهاجري: أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة الكويت، حاصلة على دكتوراه في القانون المدني المُقارن من جامعة “إسيكس” في المملكة المُتحدة، ونالت جائزة “جامعة الكويت لأفضل باحث من أعضاء هيئة التدريس للشباب”، عام 2008.
ألَّفت كتاب: “قانون العمل الكويتي الجديد”.