التربية على الرجولة والإقدام

التربية على الرجولة والإقدام
كان النبي (ﷺ) جالسًا مع أصحابه يومًا، وأراد أن يناولهم الشراب، فإذا عن يمينه غلام وعن يساره المشايخ، فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا”، فانظر كيف لم يتجاوزه النبي، بل استأذنه، وانظر إلى الغلام وحبه للنبي وجرأته في الطلب، ثم نزول النبي على قوله فعلًا، ولم يزجر أحد الغلام، ولو كنا في يومنا هذا لما سُئِل ابتداءً، ولو سُئل فأجاب بمثل ذلك لنُهِر واتُّهِم بانعدام الأدب، ولا شك أن من الواجب أن نربي الولد على احترام الكبير، وعلى طاعة والديه وإكبارهم، وعلى احترام العلماء وتوقيرهم والتأدب معهم، لكن كثيرًا ما يخلط الكبار بين جرأة الطفل بالحق وبين سوء الأدب، وما ذاك إلا كِبر منهم لعدم قبولهم الحق من الصغير.

وكانت امرأة من الأعراب لما سألت عن تميز ولدها أجابت: “إذا أتم خمس سنين أسلمته إلى المؤدِّب، فحفظ القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورُغِّب في مفاخر قومه، ولُقِّن مآثر آبائه وأجداده، فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل، فتمرَّس وتفرس، ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي، وأصغى إلى صوت الصارخ”، فهكذا إذًا ينشأ الصبيان على الرجولة، وليس ذلك غريبًا، فقد تسابق لغزوة أحد غلامين، وكانا دون الخامسة عشرة فلم يأذن لهما النبي بالقتال، حتى أُخبر أن أحدهما واسمه رافع رام بالقوس فأجازه، فبكى صاحبه سمرة وقال يا رسول الله أتقبل رافعًا ولا تقبلني وأنا أصرعه؟ فتقاتلا فصرع سمرة رافعًا فأجازه النبي، فانظر إلى حماسهما للجهاد والتضحية بأنفسهما في سبيل الله.
أما نحن اليوم فإننا نقلل من شأن أبنائنا، فهم ليسوا سوى أطفال لا يستوعبون أمور الكبار في نظرنا، فلا نصطحبهم في مجالس الكبار، بل ويُزجرون إن أبدوا آراءهم، والحقيقة أن مدارك الأطفال واسعة، وأذهانهم حاضرة، ولديهم بديهة وذكاء وعزم، ونحن من نؤخِّر نضجهم بتجاهلنا لهم وعدم احترامنا لعقولهم، وعدم تحميلهم المسؤولية ومنحهم الثقة ومشاورتهم ومشاركتهم، نحن بذلك من نؤخِّر الرجولة فيهم.
الفكرة من كتاب كيف تصبح أبًا ناجحًا
يفتتح المؤلف كتابه بحديث نبي الله (ﷺ): “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..”
ولا شك أن جميع الآباء يحبون أبناءهم، ويبذلون كل جهودهم من أجلهم ومن أجل توفير عيش كريم لهم، لكن كثيرًا منهم يغفلون الجانب التربوي والنفسي وينشغلون في دوامة الماديات التي لا تنتهي، غير أن الأولى والأهم والأبقى هو الجانب التربوي والأخلاقي والنفسي، بل هو واجب شرعي على الأب تجاه أبنائه، إذ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، ونحن في زمن كثُرت فيه الفتن، ولبس فيه الباطل ثوب الحق، فكانت مسؤولية الآباء أعظم وأخطر.
ومن هنا أفرد المؤلف كتابه ليبين للآباء أهم ما ينبغي لهم فعله تجاه أبنائهم، وطبيعة الأطفال في مراحلهم الصغيرة، وصفات المربي الناجح.
مؤلف كتاب كيف تصبح أبًا ناجحًا
عادل فتحي عبد الله: كاتب ومؤلف سعودي، مهتم بالجانب الاجتماعي الأسري والتربوي، له عدد من المؤلفات، منها:
احتياطات حتى لا ينحرف الأبناء.
سلسلة أحسن القصص (قصص القرآن للفتيان).
كيف تفكِّر بطريقة علمية.
أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج.