البراعة في استخدام القوة الناعمة
البراعة في استخدام القوة الناعمة
القوة الناعمة تصعب إدارتها بمهارة وليست تحت سيطرة الحكومة وتعمل بصورة غير مباشرة ونتائج مواردها بطيئة مقارنةً بالقوة الصلبة غير أن نشر المعلومات يمكن أن يعوق أو يعطي النتائج المطلوبة، وعلى الرغم من ذلك لجأت إليها الدول العظمى مثل فرنسا التي استخدمتها لإعادة قوتها بتشجيعها لآدابها ولغتها ونشر ثقافتها في الخارج، وأصبحت الثقافة ونشر المعلومات أداة فعَّالة لأغراض الدبلوماسية ونشر القوة الناعمة، وظهر ذلك في الحرب العالمية الأولى عندما روَّجت البلدان دعايا لقضيتها.
وكان المذياع هو الوسيلة التي اتخذتها تلك الدول لنشر عقيدتها الأيديولوجية والدعاية ببثِّ الأخبار بكلِّ اللغات كهيئة الـBBC، وتحارب كلٌّ منهما الأخرى بواسطة الهجوم الثقافي العالمي ونشر المعلومات المغلوطة فأصبح المذياع أداة خاضعة للحكومات، وليس لنشر الثقافة والقيم فقط مثل محطة بصوت أمريكا التي نمت في فترة الحرب العالمية الثانية، فأصبح هناك وسيلتان أساسيتان تصبَّان في مصلحة استثمار القوة الناعمة هما الوسائل الدبلوماسية الثقافية ووسائل الدعاية والأفلام.
سلكت الدبلوماسية العامة في ظلِّ الأنظمة الديمقراطية وعصر المعلومات مسلكًا آخر، فلم تعد محصورة بين قوتين عظميين، وأصبح الرأي العام يمثل أهمية كبرى أكثر من ذي قبل في صنع القرار والجماهير لديهم وعي بالدعاية الموجَّهة إليهم؛ لذا أصبحت المصداقية مصدرًا مهمًّا وموردًا نادرًا للقوة الناعمة تتنافس عليها الحكومات ليس مع نظائرها، بل مع المحطات والمنظمات الدولية وغيرها، فالقوة لم تعد محصورة بين القوتين العسكرية والاقتصادية.
والدبلوماسية لها ثلاثة أبعاد: أولها البعد اليومي الذي يوضِّح مسار القرارات السياسية المحلية والخارجية ويركِّز على الصحف المحلية أكثر، ويتضمَّن الاستجابة السريعة للأزمات ومواجهة الاتهامات، وثانيها الاتصال الاستراتيجي وهو تطوير المواضيع البسيطة بواسطة المبادرات السياسية والحملات لتجميل وتعزير صورة الدولة، وثالثها تطوير وتنمية أواصر الصداقة مع أفراد أساسيين على مدى طويل من خلال المؤتمرات والمنح الدراسية واتفاقيات التبادل.
اكتشفت أمريكا حاجتها إليها بعد أحداث 11 سبتمبر، وقلة إنفاقها على موارد القوة الناعمة مقارنةً بالقوة العسكرية، لذلك أنشأت مكتب تنسيق الدبلوماسية العامة في البيت الأبيض وركَّزت على تحقيق التعاون المشترك مع غيرها من الدول.
الفكرة من كتاب القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية
إن القوة الناعمة مصطلح صاغه جوزيف ناي لأول مرة في كتابه “ملزمون بالقيادة”، وهي متاحة للجميع وتستثمرها الدول بشكل يحقِّق لها أهدافها عن طريق الجاذبية والإقناع بدلًا من الإرغام والرشاوى، وهي الوجه الآخر للقوة الصلبة، ويدور هذا الكتاب حول مصادر القوة الناعمة الأمريكية وسلوك الولايات المتحدة في استخدامها، والمنافسين لها في الماضي والمستقبل، ولكنها تعتمد على البراعة والمهارة في سلوكها وليست العبرة بالدول الصغيرة أو الكبيرة.
مؤلف كتاب القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية
جوزيف ناي: (ولد في 19 يناير 1937) أمريكي وأستاذ العلوم السياسية، تولَّى عدة مناصب رسمية منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة بيل كلينتون ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني.
ومن مؤلفاته: “مستقبل القوة”، و”فهم النزاع الدولي”، و”قوة القيادة”.