الانقلابُ الصِناعي والاستعمار
الانقلابُ الصِناعي والاستعمار
خلقَ الانقلابُ الصناعيُّ مجتمعًا يؤدي للاستعمار، فقد ولّدَ ثورةً اجتماعيةً سياسية كاملة، وتمخّضَ عن الرأسمالية، خالِقًا المجتمعَ البُورجوازيَّ الرأسِمَاليَّ الذي هو في صميمهِ، مجتمعًا تنافسيًا تملُّكيِا وتوسُّعياً.
كما حرّكَ الانقلابُ ثورةً دِيموغرافية، لم تعرِفِ البشريةُ لها مَثيلاً من قبل؛ ففي القرنِ التاسعَ عشَر، ارتفعَ عددُ سُكانِ أوروبا إلى 401 مليون نسمة؛ مما جعلها قارةً مُتخمَةً بفائضٍ سُكانيٍ ضخم. وبضغطٍ من ذلكَ الفائض، مع عواملَ أخرى، مثلِ الصِراعاتِ الطَبَقيةِ والاضطراباتِ السياسية؛ خَرَجَ الأوروبيونَ كطُوفانٍ بشري، ليتوطنَ المستعمراتِ والأقطارَ الجديدة.
لقد جعلَ الاستعمارُ أوروبا قلبَ العالمِ ورأسَهُ جُغرافيًّا وسياسيًّا، وفي نفسِ الوقت، مكّنَ الرجلَ الأبيضَ من مُحاصرةِ بقيّة الأجْنَاس.
بالنسبةِ للاستعمار؛ ينبغي أن نُميّزَ بين ظاهرتينِ بارزتينِ في القرنِ التاسعَ عشر؛ الأولى: هي التعمير، أي: خروجُ أوروبا إلى القارّاتِ والأقطارِ الجديدة، بقصدِ السكنِ والإقامة الدائمة، ما يعني استبدالَ الوطنِ بوطنٍ جديد.
الثانية: الاستغلال؛ أي الاستعمارُ بمعنى الغزوِ والتملُّكِ السياسي؛ بقصدِ الاستغلالِ لا التوطُّنِ فيها.
في قاراتِ العالم الجديد، كان التواجُدُ الأوربيُّ تَعميريًا؛ زرَعَ الأوربيون به خلايا بشريةً انشطارية، شكّلَ منها أورُبّاتٍ صغيرة، تَدينُ بالولاءِ والتبعيّةِ لأورُبّا الأم، على عكس التواجُدِ في العالمِ القديم، الذي كان استغلاليًا.
هذه المناطقُ كانت قديمةَ العُمران، وكثيفةَ السُكان، وبعضُها عريقَ الحضارة؛ مما سبّبَ هزيمةً لأيِ مَشروعٍ للاستيطان. لكن تمّتِ الاستفادةُ من تلك المستعمرات بطُرُقٍ أُخرى، من خلالِ استغلالِ مَوارِدِهَا الخامِ القيّمةِ الرخيصة، واستخدامِها كسوقٍ للمُستعمرِ؛ لتصريفِ مُنتجاته، وخاصةٍ سِلَعِهِ الرخيصةِ الرديئة؛ فأسواقَ المستعمراتِ، وإن كانت فقيرةً في قُدْرَتِهَا الشِرائية، فهي تُعوّضُ ذلك بضَخامَةِ حَجْمِها.
الفكرة من كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يعتبر كتاب “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، مدخلاً إلى علم الجغرافيا السياسية؛ حيث يأخذُكَ المؤلفُ في رحلةٍ؛ لاستكشافِ قوانينَ الجغرافيا والتاريخ، ويحللُ، لماذا قامتِ الإمبراطورياتُ والدولُ، بدايةً من فجر التاريخ إلى تاريخ إصدار الكتاب عام 1968.
كما يعرضُ أيضًا تاريخَ الاستعمار، لفَهْمِ دوافعِهِ ومآلاته؛ ثمّ يعرضُ حركاتِ التحرّر التي هدمت بُنْيَانَه.
مؤلف كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يُعتبر “جمال محمود صالح حمدان”، أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين.
ولد “جمال”، بمحافظة القليوبية، في مصر عام 1928م، ونشأ في أسرة تنحدر من قبيلة “بني حمدان” العربية، التي نزحت لمصر بعد الفتح الإسلامي.
تمتاز كتاباته برؤية استراتيجية متكاملة للمقومات الكلية، للتكوينات الجغرافية والبشرىة والحضارية، ورؤية لعوامل قوتها وضعفها؛ فهو لم يتوقف عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها في سياق أعم وأشمل، ذو بعد مُستقبلي.