الاتكالية والهزيمة النفسية
الاتكالية والهزيمة النفسية
الاتكالية هي أحد الأمراض المزمنة التي أصابت الأمة وقتلت روح المبادرة في أبنائها، وأقعدتهم عن طلب المعالي، فأهملوا كثيرًا من العلوم التي تفوق فيها المسلمون قديمًا ولم يتطرَّقوا إليها، والاتكالية مرض ومحلول يشربه كثير من العرب والمسلمين مع حليب أمهاتهم وفي أثناء فتراتهم الأولى وعندما يصبحون رجالًا، وقد أصابنا كأفراد وشعوب، وهو أمر مُخالف لحقيقة التوكل على الله، تلك الكلمة التي وردت وذكرت في القرآن مرارًا وأكدها الشارع تكرارًا، ويقول عمر بن الخطاب: “إن السماء لا تمطر ذهبًا”، ويقول: “إني لأرى الرجل فيعجبني فإن قيل لا حرفة له سقط من عيني”.
وقد ظن بعض المسلمين لكونهم مسلمين وبحبهم لله أن الله سينصرهم بحبهم له، وقد أخطأوا في فهم سنن الله في كونه التي لا تُحابي أحدًا ولا تتبدَّل تلك السنن ولا تتغيَّر، ومن المؤسف ترك التخصُّصات الدقيقة التي يحتاج إليها المسلمون، مثل مجالات الأمن المعلوماتي وتصميم برامج الحماية ضد الفيروسات، ومن تلك الأمور عدم تخصُّص الطالبات في كليات الطب قسم النساء والولادة الذي يحدث فيه مخالفات ومحظورات، وصناعة السيارات، والاحتياجات الغذائية والملابس والأدوية والآلات والمعدات.
فإذا لم يكن غذاؤنا من فأسنا وعلاجنا من أيدينا، فهل ستكون كلمتنا من رأسنا وتفكيرنا من عند أنفسنا! وأصيبت الأمة بهزيمة نفسية أقعدتها عن العمل والإنتاج ومنافسة الآخرين، وجعلتها تشعر بالدونية إذا ما قارنا بينها وبين الغرب ودول التقدم، والمسلمون يمتلكون كل مقومات النجاح ولا يحتاجون إلى استلهام أفكار أو مبادئ من غيرهم، لكنها الهزيمة النفسية والسلبية البغيضة والاتكالية على الآخرين.
الفكرة من كتاب معوقات النهضة العلمية في الدول العربية والإسلامية
إن المتأمل في واقع العرب والمسلمين اليوم يدرك لأول وهلة التخبُّط الذي يعيشون فيه، والعشوائية التي يتعاملون بها مع كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم، ويلاحظ كذلك غياب المنهج العلمي عن حياتهم الخاصة والعامة، وهذا هو السبب الرئيس لمعاناتهم في مجالات كثيرة، وتخلُّفهم عن ركب الحضارة التي وضع أسلافهم أسسها ومناهجها، وتلك المجتمعات العربية والإسلامية تعاني من ثالوث مدمر قادر على الفتك بها وبأقوى الأمم، والعقول العربية مغيَّبة ومقيَّدة وممنوعة من التفكير، والدليل على ذلك أن لديهم المنهج الذي ساد به أوائلهم، لكنهم أعرضوا عن هذا المنهج ولم يأخذوا به وذهبوا يلتمسون الحل في مناهج أخرى وضعية تخلى عنها أصحابها.
مؤلف كتاب معوقات النهضة العلمية في الدول العربية والإسلامية
محمد إبراهيم خاطر: كاتب وحاصل على بكالوريوس العلوم في الكيمياء، ودبلوم الدراسات الإسلامية، ويعمل مدربًا، وله عدد من الكتب منها: “عصر الرقص”، و”الإعلام والتوعية البيئية”، و”السلامة الصحية والمواد الخطرة”، و”الشباب ودورهم في التغيير والإصلاح”، كما أن له أكثر من 1000 مقال نُشرَت بصحيفة الوطن القطرية، وعدد من المجلات والمواقع الإلكترونية.