الإشارات وتحفيز العادات عند الإنسان

الإشارات وتحفيز العادات عند الإنسان
كثيرًا ما نجد أنفسنا نسحب هاتفنا عندما يرن هاتف شخص آخر يجلس بجوارنا، يُطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم “تكييف بافلوفيان | Pavlovian الكلاسيكي”، فصوت رنين هاتف الشخص الآخر يؤدي إلى تحفيز فعل التحقق من الرسائل الذي جرى تعلمه بشكل آلي في وقت سابق، وبناءً على ذلك فإن هذه الظاهرة تثير فينا العادات خصوصًا السيئة منها، فإذا كنت مدخنًا للسجائر وتحاول الإقلاع عن التدخين، وجلست في مقهًى به مدخنون وشممت رائحة الدخان، فإن ذلك سوف يثير فيك رغبة جامحة لإشعال سيجارة رغم عدم رغبتك في التدخين.

وفي دراسة أجرتها “سان دي ويت”، درَّبت مجموعة من الأفراد على الضغط على أحد زرين للحصول على الفشار أو الشيكولاتة، ثم طلبت منهم مشاهدة برنامج تليفزيوني، وخلال عرض البرنامج وضعت أمامهم طبقًا به فشار وآخر به شيكولاته، فإن أرادوا الحصول على الفشار ضغطوا على الزر الأول، وإن أرادوا الحصول على الشيكولاتة ضغطوا على الزر الثاني، فوجدت أنهم عندما شاهدوا على التلفاز صورة مرتبطة بالفشار، كانوا أكثر ميلًا إلى اختيار الفشار، وعندما عرضت عليهم صورة مرتبطة بالحلوى أظهروا ميلًا أكبر إلى اختيار الشيكولاتة، فتبين من ذلك أن البشر يظهرون التكيف الكلاسيكي الآلي! ومن ثمَّ فإن البشر ينجذبون إلى أشياء معينة أكثر من سواها، فإن كنت من عشّاق الهواتف المحمولة، فغالب الظن سيلفت نظرك هاتف آيفون، وهو ما يُسمّى “الانحياز الانتباهي”، فالإشارات الخاصة بالعادات تكون أكثر بروزًا بالنسبة إلى الفرد، ومن ثمَّ يمكن أن تثيره في أي لحظة، ومن ثم تجعل من الصعب تغيير العادات السيئة!
ومن أنواع التعلم التي ناقشها الباحثون “التعلم المُعزز” وفيه يتعلم الإنسان ردود الأفعال من العالم من حوله بشكل غير مباشر من خلال تلقي العصا أو الجزرة وفقًا للخيار الذي يتخذه، ومن القوانين الراسخة في علم النفس وتشير إلى التعلم المعزز “قانون التأثير”، وينص على أن أي فعل يفعله الإنسان وتتبعه نتيجة إيجابية (أو سارة)، من المرجح أن يتكرر في المستقبل، والعكس بالعكس، إلا أن عالم النفس “لِيون كَامين” أوضح أن الارتباط بين الحافز والمكافأة يمكن حظره من خلال إضافة حافز آخر إلى الحافز الأول، ومثال ذلك، في المدارس يرتبط صوت جرس معين بفترة الراحة، وبناءً على نظرية كامين، إذا أضيف ضوء وامض إلى جانب الجرس، فإن الضوء -الحافز الثاني- سوف يعمل على حجب النتيجة.
الفكرة من كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
إذا سألت أي شخص: لماذا لا تستطيع إجراء التغيير الذي تأمله في نمط حياتك؟ سيجيبك بأنه يفتقر إلى “قوة الإرادة“، وإذا سألت أيًّا من مقدمي الرعاية الصحية: لماذا لا يستطيع بعض الناس تغيير نمط حياتهم إلى الأفضل؟ سيجيبون بالإجابة نفسها، لأنهم يفتقرون إلى “قوة الإرادة“، ومن ثم يقدمون النصائح للمرضى تبعًا لقوة إرادتهم، وفي الحقيقة، يوجد كثير من الأدلة تؤكد على انتفاء العلاقة بين قوة الإرادة وتغيير العادات السيئة، أو اكتساب عادات جيدة، وخلال الكتاب يستعرض المؤلف بشكل علمي آلية تشكيل العادات من خلال عرض كثير من التجارب العلمية، للوقوف على الأساليب الفعّالة للتخلص من العادات السيئة خصوصًا الإدمانية منها.
مؤلف كتاب صعوبة التخلص من العادات.. ولم يتمسك بها دماغنا؟
راسل أ. بولدراك: عالم أعصاب وعالم نفس أمريكي، يعمل أستاذًا لعلم النفس في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل مديرًا مساعدًا لعلوم البيانات في ستانفورد، وعضو معهد ستانفورد للعلوم العصبية، ومدير مركز ستانفورد لعلم الأعصاب القابل للتكرار، ومدير مركز SDS للعلوم المفتوحة والقابلة للتكرار، ومن مؤلفاته:
The New Mind Readers: What Neuroimaging Can and Cannot Reveal about Our Thoughts
Statistical Thinking: Analyzing Data in an Uncertain World
معلومات عن المترجمة:
عائشة يكن: هي مترجمة لبنانية، حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية عن إدارة العلوم، تشغل منصب نائب الرئيس للشؤون الإدارية والطلابية في جامعة الجنان بلبنان، ومن ترجماتها:
الضجيج.
مدخل إلى التفكير الناقد.
الفلسفة تدخل المدارس.
كيف تبقى متوقّد الذهن؟
أنت على وشك ارتكاب خطأ فادح!